ونتيجة لهذا الدور المهم للدعاء ، فقد استطاع هذا الإمام العظيم بما أوتي من بلاغة فريدة ، وقدرة فائقة على أساليب التعبير العربي وذهنيّة ربانيّة تتفتّق عن أروع المعاني وأدقّها في تصوير صلة الإنسان بربّه ووُجده بخالقه وتعلّقه بمبدئه ومعاده وتجسيد ما يعبّر عنه ذلك من قيم خليقّة وحقوق وواجبات ، في كتابه المسمّى بالصحيفة السجاديّة فهي مسحة من العلم الإلٰهي ، وفيها عبقة من الكلام النبوي ، كيف لا وهي قبس من نور مشكاة الرسالة ونفحة من شميم رياض الإمامة ، حتّى قال بعض العارفين : إنّها تجرى مجرى التنزيلات السّماويّة ، وتسير مسير الصحف اللوحيّة والعرشيّة ، لما اشتملت عليه من أنوار حقائق المعرفة وثمار حدائق الحكمة ، وكان أحبار العلماء وجهابذة القدماء من السلف الصالح يلقّبونها بـ «زبور آل محمّد» ، وإنجيل أهل البيت عليهم السلام.
قال الشيخ الجليل محمّد بن علي بن شهراشوب في معالم العلماء في ترجمة المتوكّل بن عمير : روى عن يحيىٰ بن زيد بن علي عليه السلام دعاء الصحيفة وتلقّب بـ «زبور آل محمّد عليهم السلام» (١) وسماّها عند ترجمته ليحيىٰ بن علي بن محمّد بن الحسين الرقّي بـ «إنجيل أهل البيت عليهم السلام» (٢)
وأمّا بلاغة بيانها ، وبراعة تبيانها : فعندها تخضع سحرة الكلام ، وتذعن بالعجز عقول الأعلام ، وتعترف بأنّ النبوّة غير الكهانة ، ولا يستوي الحق والباطل في المكانة ، ومن حام حول سمائها بغاسق فكره الواقب رمى من رجوم الخذلان بشهاب ثاقب.
وهي مجموعة من الأدعية المأثورة عن الإمام زين العابدين و
__________________
١ ـ معالم العلماء : ص ١٢٥ ، الرقم ٨٤٧.
٢ ـ معالم العلماء : ص ١٣١ ، الرقم ٨٨٦