المناسبة :
بعد أن صنّف القرآن الناس إلى أقسام ثلاثة : متقين موحدين ، وجاحدين معاندين ، ومنافقين مذبذبين ، وبعد أن أثبت الوحدانية والربوبية لله ، ونفى الشركاء بالمنطق والبرهان ، أثبت الله تعالى أن القرآن كلام الله ، وأنه نزل من عنده ، بدليل أنه معجز ، لم يتمكن أحد من الجن أو الإنس مجاراته والإتيان بمثله ، مع أن العرب فرسان البلاغة ، وأساطين الفصاحة ، ولا فخر لهم إلا بالكلام شعرا ونثرا وخطابة ، وبما أنهم عجزوا ، ولم يستطيعوا الإتيان بمثل أقصر سورة من القرآن ، فقد ثبت صدق محمد صلىاللهعليهوسلم فيما ادعاه من النّبوة ، وما أتى به من الرسالة الإلهية. وكان منكر نبوته ورسالته مستحقا العقاب والجزاء في نار جهنم.
التفسير والبيان :
إن كنتم أيها العرب وغيركم من الجاحدين في شك من صدق القرآن ، الذي أنزله الله على عبده ورسوله النّبي الأميّ محمد بن عبد الله ، وزعمتم أنه من كلام البشر ، فأتوا بمثله ، كما يقدر سائر البشر ، وذلك إن كنتم صادقين في أنه مختلق ومن كلام البشر ، وأنكم تقدرون على المعارضة لقولهم : (لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا) [الأنفال ٨ / ٣١] ، واستعينوا بمن شئتم من الرؤساء والأشراف والآلهة المزعومة ، لمعارضة القرآن ، فإنه لا يقدر أن يأتي بمثله إلا الله ، وحيث عجزتم ولم تقدروا على الإتيان بسورة تماثل القرآن في البيان الغريب والبلاغة المتفوقة ، وعلو حسن النظم ، وسلامة المنطق ، وروعة التشريع والأحكام الصالحة لكل زمان ومكان ، والإخبار بالمغيبات ، ويظل العجز دائما في المستقبل ، فلن تقدروا على الإتيان بمثله ، مع أنه كلام عربي من جنس كلام العرب في الشعر والخطابة والنثر والأسلوب ، وفي العرب البلغاء والفصحاء والشعراء والخطباء وأعلام البيان والقول.