أي لا يترك بيانه لما فيه من الحكم. (الْحَقُ) هو الشيء الذي يحقّ ويجب ثبوته ، ولا يجد العقل سبيلا لإنكاره. والفسق لغة : الخروج ، يقال : فسقت الرطبة عن قشرها : إذا خرجت. والنقض : الفسخ وفكّ التركيب لحبل وغزل ونحوهما. والميثاق : ما يوثق به الشيء ، ويكون محكما يعسر نقضه. وميثاق العهد : توكيده ، والمراد : العهد المؤكد باليمين. وعهد الله : ما أخذه على عباده من فهم السنن الكونية بالنظر والاعتبار ، وهو ما أوصاهم به في الكتب السابقة من الإيمان بمحمد إذا ظهر. وطريق الإيمان : استخدام نعمة العقل والحواس المرشدة إلى الفهم.
ونقض الميثاق : عدم استعمال تلك المواهب فيما خلقت له ، حتى كأنهم فقدوها أو عطلوها ، فالمراد بقوله : (مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ) توكيده عليهم. والمأمور بوصله : هو الإيمان بالنّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والرحم وغير ذلك. والإفساد في الأرض : بالمعاصي والتعويق عن الإيمان.
سبب النزول :
أخرج ابن جرير الطبري في تفسيره : ١ / ١٣٨ عن جماعة من الصحابة : لما ضرب الله هذين المثلين للمنافقين : قوله : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً) ، وقوله : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ) الآيات الثلاث ، قال المنافقون : الله أعلى وأجلّ من أن يضرب هذه الأمثال ، فأنزل الله : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً ...) إلى قوله : (أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ)(١). قال السيوطي في الجلالين : هذا القول أصح إسنادا وأنسب بما تقدم أول السورة.
التفسير والبيان :
إن الله سبحانه وتعالى لا يترك ضرب المثل بالبعوضة ونحوها بما هو دونها أو أكبر منها ، ترك من يستحيي أن يتمثل بها لحقارتها ، فلا غرابة ولا حرج ولا عيب في الإتيان بالأمثال والأشباه سواء أكانت صغيرة أم كبيرة ، لأن العظمة فيها جميعها شيء واحد وهو الخلق والإبداع ، ولأن المثل جعل لكشف المعنى وتوضيحه بما هو معروف مشاهد ، وما الأمثال إلا إبراز للمعاني المقصودة في قالب الأشياء
__________________
(١) انظر أيضا تفسير القرطبي : ١ / ٢٤١ ، أسباب النزول للواحدي : ص ١٢