بالسجود له ، كما أنه خصه بالخلافة في الأرض ، وعلمه أسماء الأشياء والأجناس واللغات ، مما يدل على تكريم النوع الإنساني بتكريم الأصل أو الأب.
التفسير والبيان :
واذكر أيضا يا محمد لقومك حين قلنا للملائكة الأطهار : اسجدوا لآدم سجود خضوع وتحية وتعظيم ، لا سجود عبادة وتأليه ، كما يفعل الكفار مع أصنامهم ، فسجد الملائكة جميعا له غير إبليس ، فإنه امتنع من السجود واستكبر عنه ، قائلا : أأسجد له ، وأنا خير منه ، خلقتني من نار ، وخلقته من طين ، فصار بإبائه واستكباره وتعاليه وغروره من الكافرين ، فاستحق اللعنة إلى يوم الدين ، لعصيانه أمر ربه ، ورفضه السجود لآدم.
فقه الحياة أو الأحكام :
تتجلى العبرة من هذه القصة بأن آدم وذريته لا يليق بهم عصيان أوامر الله ، وإنما يجب عليهم عبادته وحده ، دون تلكؤ ولا تقصير ، لأنّ الله سبحانه كرم ابن آدم في قوله : (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ) [الإسراء ١٧ / ٧٠] وجعل آدم خليفة في الأرض ، وعلمه ما لم يكن يعلم : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) وقال الطبري : إن الله تعالى أراد بقصة إبليس تقريع أشباهه من بني آدم ، وهم اليهود الذين كفروا بمحمد عليهالسلام مع علمهم بنبوته ، ومع قدم نعم الله عليهم وعلى أسلافهم (١).
والملائكة والشياطين أرواح لها اتصال بالناس لا نعرف حقيقته ، بل نؤمن بما ورد فيه ، دون بحث عن الكيفية والحال والمآل.
والسجود نوعان : سجود عبادة وتأليه وهو لله وحده ، وله مظهران : إما وضع الجبهة على الأرض وهو المعتاد في الصلاة ، وإما الانقياد والخضوع لمقتضى
__________________
(١) تفسير الطبري : ١ / ١٨٠ وما بعدها.