وقال السدّي : كان بنو إسرائيل يأمرون الناس بطاعة الله وبتقواه وبالبر ، ويخالفون ، فعيّرهم الله عزوجل (١).
التفسير والبيان :
بان مما سبق في سبب النزول أن الآيات نزلت في أهل الكتاب وعلى التخصيص الأحبار والرهبان ، كانوا يأمرون الناس بالخير والثبات على الإسلام ويتركون أنفسهم ، فهذا مدعاة العجب والاستغراب ، فإن الآمر بالشيء هو القدوة ، فعليه المبادرة إلى فعل ما أمر به غيره ، وإلّا كان كمثل السراج يضيء للناس ويحرق نفسه. وفي هذا توبيخ وتأنيب شديد ، فكيف يليق بكم يا أهل الكتاب ، وأنتم تأمرون الناس بالبر ، وهو جماع الخير ، أن تنسوا أنفسكم ، فلا تأتمرون بما تأمرون به ، وأنتم مع ذلك تتلون الكتاب ، وتعلمون ما فيه من وعيد على من قصر في أوامر الله ، أفلا تعقلون ما أنتم صانعون بأنفسكم؟ فتنتبهوا من رقدتكم ، وتتبصروا من عمايتكم.
وهذا الخطاب ، وإن كان لليهود من أهل الكتاب ، فهو موجه أيضا لغيرهم ، لأن العبرة بعموم اللفظ ، لا بخصوص السبب.
وطريق العلاج لهذا المرض أن تؤمنوا حقا ، وتستعينوا على أنفسكم الأمارة بالسوء ، على مرضاة الله بالصبر الحقيقي وهو إنما يكون بتذكر وعد الله بحسن الجزاء لمن صبر عن الشهوات المحرمة ، وتستعينوا بالصلاة لترويض النفس على التزام جادة الاستقامة ، فمن صبر على احتمال التكاليف ، وصرف نفسه عن المعاصي ، وناجى ربه في صلاته ، وعقد الصلة مع الله فيها خمس مرات في اليوم ، كان جديرا بنصح الآخرين ، مدركا بعقله الواعي مخاطر الانحراف ، ضامنا لنفسه النجاة ، لأن الأمر بالمعروف واضح ، وهو واجب على العالم ، وأوجب منه أن
__________________
(١) تفسير ابن كثير : ١ / ٨٥