قال مجاهد : لم يمسخوا قردة ، ولم تمسخ صورهم ، وإنما مسخت قلوبهم ، فلا تقبل وعظا ، ولا تعي زجرا. وهو مثل ضربه الله لهم ، كما مثّلوا بالحمار يحمل أسفارا ، في قوله تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ، ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها ، كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً) [الجمعة ٦٢ / ٥](١).
ورأى جمهور المفسّرين : أن صورهم مسخت بمعصيتهم ، فصارت صور القردة ، قال قتادة : صار الشبان قردة ، والشيوخ خنازير ، فما نجا إلا الذين نهوا ، وهلك سائرهم.
والممسوخ لا ينسل ولا يأكل ولا يشرب ولا يعيش أكثر من ثلاثة أيام. وكذلك يفعل الله بمن شاء كما يشاء ، ويحوله كما يشاء (٢).
وللآية نظير آخر ، هو قوله تعالى : (وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ) أي الشيطان [المائدة ٥ / ٦٠].
قال ابن كثير : والصحيح أن المسخ معنوي صوري ، والله تعالى أعلم (٣).
وعلى أي حال فإن الله تعالى عاقب بني إسرائيل بعقوبة المسخ ، أيا كان نوعه وهو عقاب لكل فاسق خارج عن طاعة الله ، وعبرة لينكل من يعلم بها ، أي يمتنع من الاعتداء على حدود الله ، وهو أيضا عظة للمتقين ، لأن المتقي الحقيقي يتعظ بها ويبتعد عن حدود الله : (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَقْرَبُوها) [البقرة ٢ / ١٨٧] فأولى بكم أيها اليهود المعاصرون أن تتعظوا بما حل بأسلافكم.
فقه الحياة أو الأحكام :
دلت هذه الآيات على أمور ثلاثة : رفع الطور ، والمسخ ، وعظة العصاة.
__________________
(١) تفسير الطبري : ١ / ٢٦٣
(٢) المصدر السابق : ١ / ٢٦١ ، تفسير القرطبي : ١ / ٤٤٠ ـ ٤٤٣
(٣) تفسير ابن كثير : ١ / ١٠٦ ـ ١٠٧