التفسير والبيان :
بالرغم مما رأى اليهود من الآيات والمواعظ السابقة ، كانفجار الماء ورفع الجبل ، والمسخ قردة وخنازير ، وإحياء القتيل ، فإن قلوبهم قست وامتنعت عن قبول الحق ، فهي تشبه في الصلابة الحجارة ، بل أشد قسوة منها ، وأصبحت بفقد تأثرها بالآيات وتفاعلها بالمواعظ والعبر ، كأنها جمادات ، بل إنها تدنت عن درجة الجماد أيضا ، لأن الحجارة قد ينفجر منها الماء ، ويسيل أنهارا تحيي الأرض وتنفع النبات ، وقد تتشقق فيسيل منها ماء بسيط فيكون عينا لا نهرا ، وفي هذا منفعة للناس ، وقد تتأثر بالرياح العاتية ، ونحوها من الزلازل ، فتسقط من أعالي الجبال ، فتكسر الصخور وتدمّر الحصون ، وليس في هذا منفعة للناس.
بالرغم من كل تلك المؤثرات والعظات والعبر ، لم يزدد اليهود إلا عنادا وفسادا ، ولكن الله تعالى حافظ لأعمالهم ومحصيها لهم ، ثم يجازيهم بها. وفي هذا غاية التهديد والوعيد ، لأن قوله تعالى : (عَمَّا تَعْمَلُونَ) يشمل كل عمل صغير أو كبير ، ويؤكده قوله تعالى : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [الزلزال ٩٩ / ٨].
فقه الحياة أو الأحكام :
لم يخلق الله تعالى شيئا في هذا الوجود عبثا ، وإنما لفائدة ، ففي الآية دلالة على بعض فوائد الأحجار ونحوها من الجمادات ، وأنها تنصاع لأمر الله ، فإن تمردت فئة من المخلوقات عن الصبغة الإلهية ، وأصبحت عديمة النفع ، لعدم تأثرها بالعظات وعدم قبولها الحق ، فالله يجازيها جزاء وفاقا ، في الدنيا والآخرة ، فيسلط عليها في الدنيا بعض النقم ، إن لم تحركها النّعم ، ويعذبها في نار جهنم في الآخرة ، لإبائها الحق ولعدم طاعتها أوامر الله تعالى.