المناسبة :
بعد أن ذكر الله تعالى ما جبل عليه اليهود من خبث النفس ونقض العهد ، وتكذيب رسل الله ، ومعاداة جبريل أمين الوحي عليهالسلام ، أعقب ذلك أن من عادة اليهود التكذيب بآيات الله ، وعدم الوفاء بالعهود ، وتكذيب الرسل ، والإعراض عن القرآن. وفي ذلك تسلية للنبي صلىاللهعليهوسلم حيث عارضوا دعوته ، وأعرضوا عن القرآن الكريم.
التفسير والبيان :
والله لقد أنزلنا إليك يا محمد دلائل واضحات تدل على صدق رسالتك ، تقترن أصولها الاعتقادية ببراهينها ، وأحكامها العملية بوجوه منافعها وغاياتها المصلحية ، فلا تحتاج إلى دليل آخر يوضحها ، فهي كالنور يظهر الأشياء ، وهو ظاهر بنفسه ، ولا يكفر بها إلا المتمردون على آياتها وأحكامها من الكفرة ، الذين استحبوا العمى على الهدى ، حسدا لمن ظهر الحق على يديه ، وعنادا ومكابرة منهم.
إنهم كفروا بالله ، وكلما عاهدوا عهدا مع الله ، أو مع رسول الله نقضه فريق منهم : (الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ، ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ) [الأنفال ٨ / ٥٦] بل نقضه أكثرهم ، ولم يوفوا به ، فاليهود غادرون بمن ائتمنهم ، خائنون الأمانة ، ناقضون العهود أو العقود والمواثيق ، وكم أخذ الله الميثاق منهم ومن آبائهم ، فنقضوه ، وأكثرهم لا يؤمنون بالتوراة ، وليسوا من الدين في شيء ، فلا يعدون نقض المواثيق ذنبا ، ولا يبالون به ، ولن يؤمنوا أيضا بالنبي صلىاللهعليهوسلم وبالقرآن ، كأنهم لا يعلمون أن التوراة كتاب الله ، لا يدخلهم فيه شك ، يعني أن علمهم بذلك رصين ، ولكنهم كابروا وعاندوا ونبذوه وراء ظهورهم.
ولما جاءهم محمد صلىاللهعليهوسلم بكتاب مصدق للتوراة في الأصول الدينية العامة ،