فقه الحياة أو الأحكام :
هاتان الآيتان تذكران شيئا من جهالات اليهود وقبائحهم ، كما سبق ، والمقصود نهي المسلمين عن مثل أفعال اليهود ، وترسيخ عقيدتهم بأن مصدر الخير والرحمة واختيار من هو أهل للنبوة والرسالة هو الله تعالى ، فلا يصح لأحد أن يحسد أحدا على ما آتاه الله من فضله ، وبدئت الآية الأولى بقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) وهو أول خطاب خوطب به المؤمنون في هذه السورة ، من ثمانية وثمانين موضعا من القرآن ذكر فيها هذا الخطاب الدال على إقبال الله على المؤمنين ، وتذكيرهم بأن الإيمان يقتضي من صاحبه أن يتلقى أوامر الله ونواهيه بأتم طاعة وأحسن امتثال.
وموضوع هذا الأدب الجميل : هو أن يتجنب المؤمن في مخاطبة النبي صلىاللهعليهوسلم ما قد يوهم الانتقاص أو الاستهزاء ، ومنعا من استغلال الأعداء استعمال لفظة أو غيرها ، وقد كان اليهود يعنون بكلمة (راعِنا) السب والشتم ، ويخاطبون بها النبي صلىاللهعليهوسلم ، ويضحكون فيما بينهم ، فقال لهم سعد بن معاذ ، وكان يعرف لغتهم : عليكم لعنة الله ، والذي نفسي بيده ، لئن سمعتها من رجل منكم يقولها لرسول الله ، لأضربنّ عنقه.
وفي تعبير (وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ) إيماء إلى أن ما صدر من اليهود من سوء الأدب في خطابه صلىاللهعليهوسلم كفر لا شك فيه ، لأن من يصف النبي صلىاللهعليهوسلم بأنه «شرير» فقد أنكر نبوته ، ومن فعل ذلك فقد كفر.
ففي هذه الآية (١٠٤) دليلان :
أحدهما ـ على تجنب الألفاظ المحتملة التي فيها التعريض للتنقيص والغض من قدر النبي صلىاللهعليهوسلم ، وهو يؤكد مذهب المالكية ـ وفي رواية عن أحمد ـ القائلين بوجوب حد القذف حال التعريض بالقذف ، وخالفهم الحنفية والشافعية ، وأحمد