العرف تكذيب للدعوى ، لأنه لا برهان لهم عليها. وفي هذا إيماء إلى أنه لا تقبل دعوى من دون برهان عليها.
ثم ردّ الله عليهم بقوله : (بَلى) كلمة تفيد الجواب لإثبات نفي سابق ، وردّ لما زعموه ، فإن الذي يدخل الجنة من لم يكن هودا أو نصارى ، وهو كل من انقاد لله وأخلص في عمله ، وهو محسن في عبادته وعمله واعتقاده ، وهؤلاء لهم الأجر عند ربهم بلا خوف ولا حزن في الآخرة ، خلافا لعبدة الأوثان والأصنام الذين هم في خوف مما يستقبلهم ، وحزن مما ينزل بهم.
والآية تدل على أن الإيمان وحده لا يكفي ، بل لا بدّ من إحسان العمل أيضا ، وجرت سنة القرآن أن يقرن الإيمان بالعمل الصالح ، مثل قوله تعالى : (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ، وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً) [النساء ٤ / ١٢٤] وقوله : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ) [الأنبياء ٢١ / ٩٤].
واشتدّ الخصام والنزاع بين أهل الكتاب ، فلم يكتفوا بما سبق ، بل قالت اليهود : ليست النصارى على شيء من الدين يعتدّ به ، فلا يؤمنون بالمسيح الذي بشّرت به التوراة ، ولا يزالون إلى اليوم يدّعون أن المسيح المبشّر به لما يأت بعد ، وينتظرون ظهوره ، وإعادته الملك إلى شعب إسرائيل. وقالت النصارى : ليست اليهود على شيء من الدين الصحيح ، فأنكروا تتميم المسيح لشريعة اليهود.
قالوا ذلك والحال أنهم أصحاب كتاب يدّعون تلاوته ويؤمنون به ، فالتوراة تبشر برسول منهم يأتي بعد موسى ، والإنجيل يقول : إن المسيح جاء متمما لناموس (شريعة) موسى ، لا ناقضا ، فلو أن اليهود تؤمن بالتوراة ، والنصارى تؤمن بالإنجيل ، لما قالوا مثل ذلك ، لأن كل كتاب نزل من عند الله ، مصدقا لما