فرد الله عليهم : إن هدى الله ودينه الذي هو الإسلام والذي أنزله على الأنبياء هو الهدى الواجب اتباعه وحده ، أما غيره فمبني على الهوى والشهوة ، وهو ما أضافه إليه اليهود والنصارى ، فإن اتبعت يا محمد أهواءهم ، وما أضافوه إلى دينهم ، بعد ما استقر في قلبك من اليقين والطمأنينة بالوحي الإلهي الذي نزل عليك ، ومنه أنهم يحرفون الكلم عن مواضعه بالتأويل ، فالله لا ينصرك ولا يؤيدك ، وإذا لم ينصرك الله ويتولاك ، فمن ذا الذي ينصرك من بعده؟. وفي هذا قطع الأمل للنبي عليهالسلام في إسلامهم ، لأن رضاهم عنه معلق بمستحيل : وهو اتباع ملتهم والدخول في دينهم.
وهذا الإنذار للنبي والوعيد هو في الحقيقة خطاب للناس كافة ، ممثلين في شخص النّبي عليه الصلاة والسلام ، لأنه الإمام والقائد والقدوة.
ثم استدرك الحق سبحانه على ما ذكر قبل ، حتى لا ييأس النّبي صلىاللهعليهوسلم يأسا دائما من إيمان أهل الكتاب ، فأخبر بأن بعض الكتابيين يتلون التوراة تلاوة تدبر وإمعان ، ويفهمها حق الفهم ، ولا يتعصب تعصبا أعمى ، ولا يحرفون ولا يغيرون ما فيه من نعت رسول اللهصلىاللهعليهوسلم ، ولا يبيع آخرته بدنياه ، ويسأل الله الجنة ، ويتعوذ من النار ، فهؤلاء يدركون أن ما جئت به الحق ، فيؤمنون بالتوراة دون تحريض ، ومن يؤمن بها يؤمن بالقرآن والنبي ، مثل عبد الله بن سلام وأشباهه ، ومن يكفر بكتابه من المحرفين ، فلا يؤمن بك أصلا ، أولئك هم الهالكون ، وكثير ما هم ، وهم الذين خسروا سعادة الدنيا والآخرة ، وحق عليهم العذاب ، لأنهم اشتروا الضلالة بالهدى ، والعذاب بالمغفرة ، فما أصبرهم على النار؟! فالمقصود بكلمة (الْكِتابَ) التوراة ، وقال قتادة : المقصود به القرآن ، قال القرطبي : والآية تعم. وعلى كلا الحالين ، المقصود بقوله تعالى : (يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ) : يتبعونه حق اتباعه ، باتباع الأمر والنهي ، فيحللون حلاله ، ويحرمون حرامه ، ويعملون بما تضمنه.