التفسير والبيان :
واذكر يا محمد لقومك وقت أن بنى إبراهيم وابنه إسماعيل قواعد البيت وأساسه ، والفضيلة في كون البنّاءين نبيين ، وفي تخصيصه للعبادة وسط بلاد وثنية ، لا في أفضلية أحجاره ولا موقعه ولا بأنه نزل من السماء. وجعل التوجه إليه توجها إلى الله الذي لا يحده مكان ولا تحصره جهة ، وعدّ استلام الحجر الأسود تعبديا كاستقبال الكعبة في الصلاة ، فلا مزية له في ذاته ، بل هو كسائر الأحجار بدليل قول عمر بن الخطاب عند استلامه : «أما والله ، إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ، ولو لا أني رأيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم قبّلك ما قبّلتك ، ثم دنا فقبّله» (١).
وفي أثناء إقامة البناء يدعو إبراهيم وإسماعيل قائلين : ربنا إنك أنت السميع لدعائنا ، العليم بنياتنا في جميع أعمالنا ، ربنا واجعلنا منقادين لك ، ومخلصين في الاعتقاد فلا نتوجه إلا إليك ، ولا نستعين بأحد إلا بك ، وفي العمل بألا نقصد بعملنا إلا مرضاتك. ربنا واجعل من ذريتنا جماعة مخلصة لك ، منقادة لأوامرك ، ليستمر الإسلام دائما في الأجيال. ربنا بصّرنا وعرفنا أمور عبادتنا ومواضع نسكنا ، أي أعمال الحج ، كمواقيت الإحرام ، وموضع الوقوف بعرفة ، وموضع الطواف والسعي ، واقبل توبتنا ، إنك أنت التواب الرحيم ، أي كثير التوبة على عبادك بقبولها منهم ، الرحيم بالتائبين لإنجائهم من العذاب.
وهذا منهما إرشاد لذريتهم ، وطلب للتثبت والدوام على الطاعة ، لا أنهما كان لهما ذنب ، لأن الأنبياء معصومون ، وليبينوا للناس بعد معرفة المناسك وبناء البيت أن ذلك الموقف وتلك المواضع ، مكان التطهر من الذنوب وطلب التوبة.
__________________
(١) رواه البخاري ومسلم.