واستوجب التحذير الإلهي للمؤمنين التحدث في هذه السورة بما يزيد عن ثلثها عن جرائم بني إسرائيل ، من الآية ٤٧ ـ ١٢٣ ، فهم كفروا بنعمة الله ، ولم يقدّروا نجاتهم من فرعون ، وعبدوا العجل ، وطالبوا موسى عليهالسلام بطلبات على سبيل العناد والمكابرة والتحدي ، وبالرغم من تحقيق مطالبهم المادية كفروا بآيات الله ، وقتلوا الأنبياء بغير حق ، ونقضوا العهود والمواثيق ، فاستحقوا إنزال اللعنة وغضب الله عليهم ، وجعلهم الله أذلاء منبوذين مطرودين من رحمته.
ثم انتقلت السورة من خطاب أهل الكتاب إلى خطاب أهل القرآن ، بالتذكير بما هو مشترك بين قوم موسى وقوم محمد عليهماالسلام من نسب إبراهيم والاتفاق على فضله ، واستئصال كل مزاعم الخلاف على القبلة ، وبيان الأساس الأعظم للدين وهو توحيد الألوهية ، بتخصيص الخالق بالعبودية ، وشكر الإله على ما أنعم به من إباحة الاستمتاع بطيبات الرزق وإباحة المحرّمات حال الضرورة ، وبيان أصول البرّ في آية : (لَيْسَ الْبِرَّ) [في البقرة ٢ / ١٧٧].
ثم أوضحت السورة أصول التشريع الإسلامي للمؤمنين به ، في نطاق العبادات والمعاملات ، من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت والجهاد في سبيل الله وتنظيم أحكام القتال ، واعتماد الأشهر القمرية في التوقيت الديني ، والإنفاق في سبيل الله ، لأنه وسيلة للوقاية من الهلاك ، والوصية للوالدين والأقربين ، وبيان مستحقي النفقات ، ومعاملة اليتامى ومخالطتهم في المعيشة ، وتنظيم شؤون الأسرة في الزواج والطلاق والرضاع والعدة ، والإيلاء من النساء ، وعدم المؤاخذة بيمين اللغو ، وتحريم السحر ، والقتل بغير حق وإيجاب القصاص في القتلى ، وتحريم أكل أموال الناس بالباطل ، وتحريم الخمر والميسر والربا ، وإتيان النساء في المحيض وفي غير مكان الحرث وإنجاب النسل ، أي في الدبر.