تدخل الصواعق في مسامعهما ، فتقتلهما ، وإذا لمع البرق مشوا في ضوئه ، وإذا لم يلمع لم يبصرا ، وقاما مكانهما لا يمشيان ، فجعلا يقولان : ليتنا قد أصبحنا ، فنأتي محمدا ، فنضع أيدينا في يده ، فأصبحا فأتياه ، فأسلما ووضعا أيديهما في يده ، وحسن إسلامهما ، فضرب الله شأن هذين المنافقين الخارجين ، مثلا للمنافقين الذين بالمدينة.
وكان المنافقون إذا حضروا مجلس النّبي صلىاللهعليهوسلم ، جعلوا أصابعهم في آذانهم فرقا من كلام النّبي صلىاللهعليهوسلم أن ينزل فيهم شيء ، أو يذكروا بشيء ، فيقتلوا ، كما كان ذانك المنافقان الخارجان يجعلان أصابعهما في آذانهما ، وإذا أضاء لهم مشوا فيه. فإذا كثرت أموالهم وولد لهم الغلمان ، وأصابوا غنيمة أو فتحا ، مشوا فيه ، وقالوا : إن دين محمد صلىاللهعليهوسلم دين صدق ، فاستقاموا عليه ، كما كان ذانك المنافقان يمشيان إذا أضاء لهم البرق ، وإذا أظلم عليهم قاموا ، وكانوا إذا هلكت أموالهم وولدهم وأصابهم البلاء قالوا : هذا من أجل دين محمد ، فارتدوا كفارا ، كما قام ذانك المنافقان حين أظلم البرق عليهما (١).
التفسير والبيان :
ضرب الله تعالى في هذه الآيات مثلين لتوضيح حال المنافقين وبيان شناعة أعمالهم وسوء أفعالهم ، تنكيلا بهم ، وفضحا لأمورهم ، إذ كانوا فتنة للبشر ، ومرضا في الأمة. وضرب الأمثال هو منهج القرآن لتوضيح المعاني وإبراز المعقولات الخفية في معرض المحسوسات الجلية ، وهذان المثلان يصوران حالة القلق والحيرة والاضطراب عند المنافقين وسرعة انكشاف أمرهم :
المثل الأول ـ لسرعة انكشاف أمرهم : وهو أن مثل المنافقين وحالهم في إظهار الإسلام زمنا قليلا وأمنهم على أنفسهم وأولادهم ، كحال الذين أوقدوا
__________________
(١) تفسير الطبري : ١ / ١١٩