بناءها مع ما فيها من أفلاك وأجرام ، وأحكم النّسب بينها بسنة الجاذبية ، فلا يختل نظامها ، ولا يسقط منها جرم عظيم على الأرض ، ولا تصطدم ببعضها ، وأنزل منها أي من السحاب ماء مباركا ومطرا عذبا ينبت به الزرع والعشب ، ويحيي الأرض بعد موتها ، ويغسل به الجو الذي تلوث بالتراب وغيره من كل ما يؤذي ويضر ويعكر صفو الحياة وصفاء الهواء.
فمن اتصف بالخلق والإبداع والتكوين للإنسان ، والإمداد له بالنعم والأرزاق ، وبخلق السماء والأرض لخير البشر ، جدير بالعبادة والتعظيم والخضوع له ، فلا يليق اتخاذ الشركاء الضعفاء معه من الأصنام والبشر ، الذين لا يخلقون شيئا ولا يقدمون رزقا ، ولا يملكون لأنفسهم نفعا ، ولا يدفعون عن ذواتهم ضرا ، وتقدس الله تعالى عن اتخاذ الأنداد والشركاء والأولاد ، إذ لا حاجة له بهم ، فمن كانت له حقيقة القدرة ، ودلت عليه دلائل الربوبية والوحدانية هو المستحق وحده للطاعة.
وأما اتخاذ المشركين الأصنام أندادا توسلا بها إلى الله ، واتخاذ أهل الكتاب أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ، في التشريع وتحليل المنكرات ، وتحريم بعض الطيبات ، فهو محض الافتراء والكذب ، ومغالطة الواقع ، مع أن الكل متفقون على أن الخالق والرازق هو الله ، وحال جميع الكافرين والمنافقين يعلمون في الحقيقة بطلان شرائع وأنظمة الآلهة المزعومة ، قال تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ، وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ، لَيَقُولُنَّ اللهُ ، فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) [العنكبوت ٢٩ / ٦١] أي يصرفون. وقال سبحانه منددا باتخاذ الوسائط إلى الله ، وبإبطال التقرب بغير ما شرع الله : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الزمر ٣٩ / ٣].