أجاب الله دعاء إبراهيم : (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ. لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ ...) الآية [الحجّ ٢٢ / ٢٧ ـ ٢٨].
٣ ـ فيه آيات واضحات ، منها مقام إبراهيم (موضع قيامه للصلاة والعبادة) تعرفه العرب بالنقل المتواتر جيلا عن جيل ، ويدلّ عليه أثر قدمه الشريف على الحجر.
٤ ـ ومن دخله كان آمنا على نفسه وماله من أي اعتداء وإيذاء ، فلا يسفك فيه دم حرام ، ولا يقتل الشخص فيه ولو كان مطلوبا للثأر أو القصاص ، لقوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) [العنكبوت ٢٩ / ٦٧] ، وقوله : (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً) [القصص ٢٨ / ٥٧] ، وقوله : (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً) [البقرة ٢ / ١٢٥] ، وكما دعا إبراهيم عليهالسلام : (رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً) [البقرة ٢ / ١٢٦]. وقال عمر بن الخطاب : «لو ظفرت فيه بقاتل الخطاب ما مسسته حتى يخرج منه». وقال أبو حنيفة : «من وجب قتله في الحلّ بقصاص أو ردّة أو زنا ، فالتجأ إلى الحرم ، لم يتعرّض له ، إلا أنه لا يؤوى ولا يطعم ولا يسقى ولا يبايع حتى يضطر إلى الخروج منه». واتّفقت قبائل العرب على تعظيمه واحترامه ، بنسبته إلى الله ، حتى إن القاتل اللاجئ إلى الحرم يصير فيه آمنا ما دام فيه.
قال الجصاص الرازي : «هذه الآي متقاربة المعاني في الدلالة على حظر قتل من لجأ إلى الحرم ، وإن كان مستحقا للقتل قبل دخوله ، ولما عبّر تارة بذكر البيت ، وتارة بذكر الحرم ، دلّ على أنّ الحرم في حكم البيت في باب الأمن ومنع قتل من لجأ إليه» (١).
وقد أقرّ الإسلام ميزة البيت الحرام. وأما ما كان من فتح مكّة عنوة بالسّيف
__________________
(١) أحكام القرآن : ١ / ٢٣