لا يتحرّجون من ترك العدل في حقوق النساء ، حيث كان تحت الرجل عشرة منهن ، لا يعدل بينهن ، فقيل لهم : إن خفتم ترك العدل في حقوق اليتامى ، فتحرجتم ، فخافوا أيضا ترك العدل بين النساء ، وقللوا عدد المنكوحات منهن ؛ لأن من تحرّج من ذنب ، وهو مرتكب مثله ، فهو غير متحرج.
والمراد من الخوف : العلم ، عبر بذلك إيذانا بكون المعلوم مخوفا محذورا.
أي إن علمتم وأحسستم من أنفسكم إلحاق الظلم باليتامى بعدم إعطائهن مهورهن ، أو بأكل أموال الأيتام بالباطل ، فعليكم ألا تتزوّجوا باليتيمة ، وتزوّجوا بغيرها من النساء واحدة أو ثنتين أو ثلاثا أو أربعا ، أو عليكم أن تعدلوا بين النساء حال التعدد ، فلا تتزوجوا بأكثر من أربع لتتمكنوا من العدل والقسم بينهن ، وتكون أحوال الرجال زمرا متنوعة ، فمنهم من يتزوّج اثنتين ، ومنهم من يتزوّج ثلاثا ، ومنهم من يتزوّج أربعا ، وعدد الأربع هو الحدّ الأقصى الذي يمكن معه العدل بين الزوجات.
والأمر في قوله : (فَانْكِحُوا) للإباحة ، مثل قوله تعالى : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا) [البقرة ٢ / ١٨٧ وغيرها] ، وقيل : للوجوب أي وجوب الاقتصار على العدد المأخوذ من قوله تعالى : (مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) لا وجوب أصل النكاح.
وقوله : (مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) تدلّ كلّ كلمة منها على المكرر من نوعها ، فمثنى تدلّ على اثنين اثنين ، وثلاث تدلّ على ثلاثة ثلاثة ، ورباع تدلّ على أربعة أربعة ، والمراد منها الإذن لكلّ من يريد الجمع أن ينكح ما شاء من العدد المذكور ، متّفقين فيه أو مختلفين.
ثمّ أكّد الله تعالى ضرورة التزام العدل بين الزوجات المتعددات ، المفهوم من قوله (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا ...) فذكر أنه إن خفتم ألا تعدلوا حال تعدّد الزوّجات ،