ريح عاتية شديدة البرد أتت على نبات مزروع ، فأحرقته وأهلكته ، فلم يبق منه شيء ، وأعقب على صاحبه الحسرة والندامة ، ونظير ذلك قوله تعالى : (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ ، فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) [الفرقان ٢٥ / ٢٣] وقوله : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً ، حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً) [النور ٢٤ / ٣٩].
وهكذا يمحق الله ثواب وثمرة أعمال الكفار التي عملوها في الدنيا ، كما يذهب ثمرة زرع بذنوب أصحابه ، وما ظلمهم الله بهذا بأن لم يقبل نفقاتهم بل جازاهم على عملهم الشر بالشر ، وكانوا هم الظالمين أنفسهم حيث لم يأتوا بها مستحقة للقبول : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) [الشورى ٤٢ / ٤٠].
وسبب إحباط أعمال الكفار يوم القيامة ولو كانت صدقة في الخيرات ، هو فقد الإيمان ، وبناؤهم العمل على قاعدة الكفر ، وتركهم النظر في الدلائل الموصلة إلى الحق والصواب.
فإن توافر الإيمان ، وصح اليقين ، وكان الإنفاق بقصد وجه الله تعالى ، لا للرياء والسمعة ، كان مقبولا عند الله ، لقوله تعالى : (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [المائدة ٥ / ٢٧].
فقه الحياة أو الأحكام :
إن الكفر أساس بلاء الإنسان في الآخرة ، وهو سبب ضياع ثمرة أعماله التي عملها في الدنيا ، فيكون جزاء الكافرين النار خالدين فيها أبدا ، ولن تفيدهم نفقاتهم المنفقة في دنياهم إلا الحسرة والندامة ، وليس عدم قبول نفقاتهم ظلما من الله لهم ، وإنما هم الظالمون لأنفسهم حيث لم يأتوا بها مستحقة للقبول فكفروا وعصوا ومنعوا حق الله تعالى ، وأنفقوا أموالهم رياء وسمعة ومفاخرة ، ولم يبتغوا بها وجه الله تعالى. وحالهم حال بؤس وشقاء وقلق واضطراب ، فهم كمن يزرع