الإسلام ، فموتوا أنتم بغيظكم ، والله عليم بما تنطوي عليه ضمائركم ، وتكنه سرائركم من البغضاء والحسد والغل للمؤمنين ، وهو مجازيكم عليه في الدنيا ، بأن يريكم خلاف ما تأملون ، وفي الآخرة بالعذاب الشديد في النار التي أنتم خالدون فيها ، لا محيد لكم عنها ، ولا خروج لكم منها.
ثم أوضح الله تعالى حالا دالة على شدة عداوتهم للمؤمنين : وهو أنه إذا أصاب المؤمنين نعمة أو خير من خصب أو نصر وتأييد وكثرة وعزة أنصار ، ساء ذلك المنافقين ؛ وإن أصاب المسلمين شر كجدب أو تغلب الأعداء عليهم ـ لحكمة إلهية في ذلك كما جرى يوم أحد ـ فرح المنافقون بذلك. ويلاحظ فرق التعبير البلاغي في القرآن بين جملتي : مس الحسنة وإصابة السيئة ، فهم يستاءون عند أدنى مس للحسنة ، ولا يفرحون حتى تتمكن الإصابة بالسيئة.
ولكن الله تعالى ذكر للمؤمنين العلاج الناجع ، وأرشدهم إلى السلامة من شر الأشرار ، وكيد الفجار ، وهو استعمال الصبر ، والتقوى ، والتوكل على الله الذي هو محيط بأعدائهم ، فلا حول ولا قوة لهم إلا به ، وهو الذي ما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن ، ولا يقع في الوجود شيء إلا بتقديره ومشيئته ، ومن توكل عليه كفاه.
فإذا صبروا على أداء التكاليف الشرعية ، واتقوا ما نهاهم الله عنه ، لم يضرهم كيد الكفار واحتيالهم ، كما قال تعالى : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ، وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق ٦٥ / ٢ ـ ٣].
والله تعالى عالم محيط علمه بعمل الفريقين ، فهو خبير بمكائد الأعداء وخفاياهم ، وسيحبطها لهم ويردها في نحورهم ، ويجازيهم على أفعالهم ، وعليم بالمؤمنين الذين يستعينون بالصبر ، ويتمسكون بالتقوى ، وهما شرط النجاح والغلبة على الأعداء.