حقق الله نصركم يوم بدر وأمدكم بالملائكة ليهلك طائفة من رؤوس الكفر والشرك بالقتل والأسر ، فقد قتل يوم بدر سبعون وأسر سبعون من رؤساء قريش وصناديدهم ؛ أو يخزيهم ويغيظهم بالهزيمة ، فينقلبوا خائبين غير ظافرين بمبتغاهم ، وذلك نحو قوله تعالى : (وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ ، لَمْ يَنالُوا خَيْراً) [الأحزاب ٣٣ / ٢٥] ؛ أو يتوب عليهم إن أسلموا ورجعوا إلى الله ؛ أو يعذبهم إن أصروا على الكفر والعداوة ، فيكونون ظالمين لأنفسهم.
ثم أتى بجملة معترضة بين ما قبلها وما بعدها لبيان أن الأمر كله بيد الله ، فقال : ليس لك يا محمد من أمر البشر شيء ، وما عليك إلا تنفيذ أمري وإطاعتي ، وإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب ، فلا تتألم منهم ، ولا تدع عليهم ، فربما تاب بعضهم ، وقد تاب وأسلم أبو سفيان والحارث بن هشام وسهيل بن عمرو وصفوان بن أمية.
ثم أكد سبحانه وتعالى أن الأمر بيده ، فلله ملك السماء والأرض وما فيهما ، وكلهم خلقه وعبيده ، يحكم فيهم بما يشاء ، فيغفر لمن يشاء المغفرة له ، ويعذب من يشاء تعذيبه ، بحكمة وعدل ، وهو الغفور الذي يستر ذنوب من أحب من أوليائه ، الرحيم بأهل طاعته ، فيعفو ويصفح ، ويترك العقاب عاجلا أو آجلا. وفي ذلك تعليم للنبي صلىاللهعليهوسلم ولأمته ؛ إذ الأمر كله لله ، والكل خاضعون له ، لا فرق في ذلك بين ملك مقرّب أو نبي مرسل أو بشر آخر ممن خلق ، إلا من سخره الله لمهمة أو أذن له بشفاعة ، على وفق السنة الكونية العامة ، وبمقتضى المشيئة الإلهية المطلقة ، ولحكمة قد لا ندركها إلا يوم القيامة.
فقه الحياة أو الأحكام :
خلاصة ما دلت عليه الآيات ما يأتي :
ـ لا بد للبشر في كل أمورهم من اتخاذ الأسباب والقيام بواجباتهم المعتادة ،