فأجابوه بكلام يدل على الجهل والعناد : (قالُوا : يا صالِحُ ..) أي قال قوم ثمود : يا صالح ، قد كنا نرجوك في عقلك قبل أن تقول ما قلت ، أو كنا نأمل أن تكون سيدا أو مستشارا في الأمور ؛ لما نرى لك من رجاحة في العقل وسداد في التفكير ، فالآن خيبت الآمال وقطعت الرجاء. وقال كعب : كانوا يرجونه للمملكة بعد ملكهم ؛ لأنه كان ذا حسب وثروة. وعن ابن عباس : كان فاضلا خيّرا. والظاهر الذي حكاه الجمهور أن قوله : (مَرْجُوًّا) مشورا نؤمل فيك أن تكون سيدا سادّا مسدّ الأكابر.
ثم تعجبوا من دعوته قائلين :
أتنهانا عن عبادة الآباء والأسلاف؟ وقد تتابعوا على تلك العبادة كابرا عن كابر دون إنكار من أحد.
وإننا نشك كثيرا في صحة ما تدعونا إليه من عبادة الله وحده ، وترك التوسل إليه بالشفعاء المقربين عنده ، وهو شك موقع في التهمة وسوء الظن. والشك : هو أن يبقى الإنسان متوقفا بين النفي والإثبات ، والمريب : هو الذي يظن به السوء.
والمقصود من هذا الكلام التمسك بطريق التقليد ، ووجوب متابعة الآباء والأسلاف. وهذا نظير ما حكاه الله تعالى عن كفار مكة حيث قالوا : (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً ، إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ) [ص ٣٨ / ٥].
فأجابهم صالح مبينا ثباته على المبدأ ومنهج النبوة : (قالَ : يا قَوْمِ ، أَرَأَيْتُمْ ..) أي كيف أعصي الله في ترك ما أنا عليه من البينة؟ أخبروني ماذا أفعل ، إن كنت على برهان وبصيرة ويقين فيما أرسلني به إليكم ، وآتاني منه رحمة ، أي نبوة تتضمن تبليغ ما أوحى به إلي.