وقدّروا أني نبي على الحقيقة ، وكان على يقين أنه على بيّنة ؛ لأن خطابه للجاحدين ، وانظروا إن تابعتكم وعصيت ربي في أوامره ، فمن يمنعني من عذاب الله؟! وإذا تابعتكم وتركت دعوتكم إلى الحق وعبادة الله وحده ، لما نفعتموني ، ولما رددتموني حينئذ غير خسارة وضلال ، باستبدال بما عند الله ما عندكم.
ولما كانت عادة الأنبياء ابتداء الدعوة إلى عبادة الله ، ثم اتباعها بدعوى النبوة ، فإن صالحا عليهالسلام الذي طلبوا منه المعجزة على صحة قوله ، أتاهم بمعجزة الناقة. روي أن قومه خرجوا في عيد لهم ، فسألوه أن يأتيهم بآية ، وأن يخرج لهم من صخرة معينة أشاروا إليها ناقة ، فدعا صالح ربه ، فخرجت الناقة كما سألوا.
وقال لهم : هذه آية على صدقي : ناقة الله ، التي تتميز عن سائر الإبل بأكلها وشربها وغزارة لبنها ، كما قال تعالى : (إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ ، وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ) [القمر ٥٤ / ٢٧ ـ ٢٨].
فاتركوها تأكل ما شاءت في أرض الله من المراعي ، دون أن تتحملوا عبء مؤنتها ، ولا تمسوها بسوء أيا كان نوعه ، فيأخذكم عذاب عاجل لا يتأخر عن إصابتكم إلا يسيرا وذلك ثلاثة أيام ، ثم يقع عليكم.
فلم يسمعوا نصحه ، وكذبوه وعقروها ، عقرها بأمرهم قدار بن سالف ، كما قال تعالى : (فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ) [القمر ٥٤ / ٢٩] فقال لهم : استمتعوا بالعيش في داركم ، أي بلدكم ، وتسمى البلاد الديار ، مدة ثلاثة أيام ، ذلك وعد مؤكد غير مكذوب فيه.
ثم وقع ما أوعدهم به : (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا ..) أي فلما حان وقت أمرنا بالعذاب والإهلاك ، وحل العقاب ووقعت الواقعة ، ونزلت الصاعقة ، نجينا صالحا والمؤمنين معه ، برحمة منا ، ونجيناهم من عذاب شديد ، ومن ذل ومهانة