على الإصرار والتقليد والجحود ؛ وإفساد عقله وجعله مجنونا بواسطة الآلهة.
فقال لهم هود : أشهد الله على نفسي واشهدوا على أني بريء من شرككم ومن عبادة الأصنام ، ولا يعني هذا أنهم كانوا أهلا للشهادة ، ولكنه نهاية للتقرير ، أي لتعرفوا ، ولم يقل : إني أشهد الله وأشهدكم ، لئلا يفيد التشريك بين الشهادتين والتسوية بينهما ، فإن إشهاد الله على البراءة من الشرك إشهاد صحيح ثابت في معنى تثبيت التوحيد ، وأما إشهادهم فما هو إلا تهاون بدينهم ، ودلالة على قلة المبالاة بهم.
وإذا كنت بريئا من جميع الأنداد والأصنام ، أي مما تشركون من دون الله ، فإني أعلن ذلك صراحة ، فاجمعوا كل ما تستطيعون من أنواع الكيد لي ، جميعا أي أنتم وآلهتكم ، ولا تمهلوني طرفة عين ، إني فوضت أمري كله لله ربي وربكم ، ووكلته في حفظي ، فهو على كل شيء قدير.
فما من دابة تدب على الأرض أو السماء إلا هي تحت سلطان الله وقهره فهو مصرف أمرها ومسخرها ، وهو الحاكم العادل الذي لا يجور ، إن ربي على الحق والعدل.
وقد تضمن جوابه الدال على التحدي والمعجزة الباهرة وقلة المبالاة بهم عدة أمور هي : البراءة من الشرك ، وإشهاد الله على ذلك ، وإشهادهم على براءته من شركهم ، وطلبه المكايدة له ، وإظهار قلة المبالاة بهم وعدم خوفه منهم ومن آلهتهم. وهذا موقف مشابه تماما لموقف نوح في قوله السابق : (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ، ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ، ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ) [يونس ١٠ / ٧١] وقوله : (قُلِ : ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ، ثُمَّ كِيدُونِ ، فَلا تُنْظِرُونِ) [الأعراف ٧ / ١٩٥].
(فَإِنْ تَوَلَّوْا ..) أي فإن تتولوا وتعرضوا عما جئتكم به من عبادة الله ربكم