وثاني الأدلة ـ إنزال المطر بكيفية عجيبة تبدأ بتصاعد أبخرة الماء وتحمل بقدرة الله إلى طبقات الجو العالية ، وتتجمع حينئذ بها السحب والغيوم ، وتقودها الرياح ، وتلقحها وتؤثر فيها بالبرودة ، ثم تتساقط الأمطار العذبة بعد أن كانت عند تبخرها من البحار مالحة ، فتروي الأرض ، وتحقق الخير ، وتوفر الرزق ، وتحيي جميع الكائنات الحية ، فإن الرطوبة أهم عناصر الحياة ، وهي الفارق المميز بين الشتاء والصيف.
وثالث الأدلة ـ تقليب الليل والنهار بالزيادة والنقص ، والحرارة والبرودة ، والتعاقب المستمر ، ولكل من الليل والنهار طبيعة تناسب الإنسان ، فالليل للراحة والهدوء ، والنهار للحركة والكسب.
ورابع الأدلة ـ تنوع المخلوقات بأشكال شتى ، وطبائع مختلفة ، ومنافع متعددة ، مع أن منشأها واحد وهو الماء ، وتركيبها مختلف ، ويخلق الله من الماء ما يشاء وما لا نعلم به إلى الآن ، بالرغم من تعدد الاكتشافات العلمية ؛ إذ أول ما خلق الله من العالم الماء ، ثم خلق منه كل شيء ، وقدرة الله فوق الحصر والعد ، وأغرب من السمع والبصر.
وما أجمل وأبدع ما ختمت به تلك الأدلة من قوله تعالى : (لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ ...) فهي تشمل كل الأدلة والعبر ، ومنها بيان القرآن العظيم الذي اشتمل على أدلة الإيمان والاعتقاد ، وأحكام العبادة والتشريع ، وأصول الفضائل والآداب والأخلاق. والله يهدي بتلك الأدلة من يريد إلى طريق الحق والصواب ، والسداد والاستقامة ، دون انحراف أو اعوجاج ، فما ذا بعد بيان الحق إلا الضلال؟!