وقال أبو حنيفة رحمهالله : لا يكون الغلام بالغا حتى يبلغ ثماني عشرة سنة ويستكملها ، والفتاة حتى تبلغ سبع عشرة سنة ؛ لقوله تعالى : (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ، حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) [الأنعام ٦ / ١٥٢] وأقل حد لبلوغ الأشد ثماني عشرة سنة ، فيبنى الحكم عليها للتيقن ، أما الإناث فيكون إدراكهن ونشوؤهن أسرع ، فنقص في حقهن سنة (١).
ويرى جماعة من العلماء منهم الشافعي أن الإنبات (إنبات الشعر) من أمارات البلوغ ؛ لما روى عطية القرظي أن النبي صلىاللهعليهوسلم أمر بقتل من أنبت من قريظة ، واستحياء من لم ينبت ، قال : فنظروا إلي فلم أكن أنبتّ ، فاستبقاني صلىاللهعليهوسلم. ولا يعتبر الإنبات عند الحنفية بلوغا لظاهر قوله تعالى : (وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ) فإنه ينفي كون الإنبات بلوغا إذا لم يحتلم ، كما نفى كون خمس عشرة سنة بلوغا.
ثم عاد البيان القرآني لتأكيد نعمة الله بتشريع هذه الأحكام فقال تعالى : (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ ، وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) أي كما بين لكم ما ذكر بيانا كافيا شافيا ، يبيّن لكم أحكاما أخرى تحقق الاستقرار والاطمئنان وسعادة الدنيا والآخرة ، والله عليم بأحوال عباده ، حكيم في معالجة أمورهم.
الحكم الثالث عشر :
(وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ) هذا بيان حكم النساء العجائز ، والمعنى : إن النساء اللواتي كبرن ، وانقطع الحيض عنهن ، ويئسن من الولد ، ولم يبق لهن رغبة في التزوج ، فلا إثم عليهن ولا حرج أن يخففن في ملابسهن ويخلعن ثيابهن الظاهرة
__________________
(١) أحكام القرآن للجصاص : ٣ / ٣٣١ وما بعدها.