وفي الآية دلالة أيضا على أن المميز غير البالغ يعوّد على الأدب والنظام والانضباط والإعداد لتحمل المسؤولية والتكاليف الشرعية ، قال تعالى : (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً) [التحريم ٦٦ / ٦] أي أدبوهم وعلموهم.
وهذا التأديب والتعليم والبيان والتشريع بفضل الله تعالى ، لذا قال : (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ ، وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) أي مثل ذلك التبيين لما ذكر من الأحكام يبين الله لكم الشرائع والأنظمة في آياته البينة الواضحة الدلالة على معانيها ومقاصدها ، والله عليم بأحوال عباده وبما يصلحهم وما لا يصلحهم ، حكيم في تدبير أمورهم وتشريع الأصلح الأنسب لهم في الدنيا والآخرة.
الحكم الثاني عشر :
انتقل البيان لمعرفة حكم استئذان البالغين الأحرار ، فقال تعالى :
(وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي إذا بلغ الحلم الأطفال الذين كانوا يستأذنون في العورات الثلاث ، فيجب عليهم أن يستأذنوا على كل حال ، مع الأجانب والأقارب ، كما استأذن الكبار الذين سبقوهم من ولد الرجل وأقاربه. فهذه الآية مبينة لآية : (أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ) [النور ٢٤ / ٣١] أي أن الطفل الذي لم يظهر على العورات مستثنى ، فإذا ظهر على العورات ، وذلك بالبلوغ ، فيستأذن. وأفرد «الطفل» في الآية ؛ لأنه يراد به الجنس.
ولم يذكر المماليك هنا ، وإنما بقي الحكم السابق مقررا عليهم وهو الاستئذان في أوقات ثلاثة ؛ لأن حكم كبارهم وصغارهم واحد.
وبلوغ الحلم إما بالاحتلام أو ببلوغ خمس عشرة سنة في رأي أكثر العلماء ؛ لما روي عن ابن عمر رضياللهعنهما أنه عرض على النبي صلىاللهعليهوسلم يوم أحد ، وله أربع عشرة سنة ، فلم يجزه ، وعرض عليه يوم الخندق ، وله خمس عشرة سنة فأجازه.