بعض ، حين كذبوا رسلهم ، كقوله تعالى : (وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ) [الإسراء ١٧ / ١٧].
(وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ) أي وجعلناهم أخبارا وأحاديث للناس ، جمع أحدوثة وهي ما يتحدث به ، يتحدثون بها تلهيا وتعجبا ، كقوله تعالى : (فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ) [سبأ ٣٤ / ١٩].
(فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) أي هلاكا وتدميرا وبعدا عن رحمة الله لقوم لا يصدقون به ولا برسوله. وهذا وارد على سبيل الدعاء ، والذم ، والتوبيخ ، والوعيد الشديد لكل كافر. وهو دليل على أنهم كما أهلكوا عاجلا ، فهلاكهم بالتعذيب آجلا على التأبيد مترقب.
فقه الحياة أو الأحكام :
هذه الآيات واضحة الدلالة على المقصود منها ، وهي أن أجل الهلاك والعذاب محدد بميقات معين ، لا يتقدم عنه ولا يتأخر. وأن رحمة الله وحكمته وعدله اقتضت إرسال الرسل في كل الأمم (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) [النساء ٤ / ١٦٥].
ولكن أكثر الناس وجمهورهم يكذبون الرسل ويخالفونهم فيما جاؤوا به ، فتكون النتيجة إهلاك بعضهم إثر بعض ، وجعلهم أحدوثة (وهي ما يتحدث به) يقص الناس أخبارهم في مجالس السمر ، لأنها مدعاة للتعجب.
ثم ختمت الآيات بالإنذار والوعيد الشديد بالهلاك والدمار لكل قوم لا يصدقون بوجود الله وتوحيده وإرسال رسله ، فإن الكافرين كما أهلكوا في الدنيا ، يكون هلاكهم بالتعذيب في الآخرة أمرا منتظرا مؤكدا حصوله.