وقوله : (إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ) تعليل للنهي ، أي لا تجأروا فإنه لا ينفعكم (آياتِي) القرآن (تَنْكِصُونَ) ترجعون وراءكم ، والمراد : تعرضون مدبرين عن سماع الآيات وتصديقها والعمل بها (مُسْتَكْبِرِينَ) عن الإيمان (بِهِ) أي بالتكذيب أو بالبيت الحرام بأنهم أهله وقوامه ، وأنهم في أمن بخلاف سائر الناس في مواطنهم ، والباء على هذا المعنى متعلقة بمستكبرين ؛ لأنه بمعنى مكذبين (سامِراً) أي جماعة سمّارا ، وهم الذين يتحدثون بالليل حول البيت ، يسمرون بذكر القرآن والطعن فيه (تَهْجُرُونَ) إذا كان من الثلاثي (هجر) أي بفتح التاء : أي تتركون القرآن من الهجر وهو القطيعة ، وإذا كان من الرباعي (أهجر) أي بضم التاء : أي تقولون غير الحق في النبي والقرآن ، من الهجر : وهو الهذيان والفحش.
(أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ) أي يتدبروا القرآن الدال على صدق النبي صلىاللهعليهوسلم ، ليعلموا أنه الحق من ربهم ، بإعجاز لفظه ووضوح مدلوله (أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ) من الرسول والكتاب ، أو من الأمن من عذاب الله ، فلم يخافوا كما خاف آباؤهم الأقومون كإسماعيل وأعقابه ، فآمنوا به وكتبه ورسله وأطاعوه (أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ) بالأمانة والصدق ، وحسن الخلق ، وكمال العلم ، مع عدم التعلم ، إلى غير ذلك من صفات الأنبياء (فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) دعواه.
(أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ) أي جنون ، فلا يبالون بقوله ، وكانوا يعلمون أنه أرجحهم عقلا ، وأتقنهم نظرا. والاستفهام للتقرير بالحق ، من صدق النبي صلىاللهعليهوسلم ، ومجيء الرسل للأمم الماضية ، ومعرفة رسولهم بالصدق والأمانة ، وأن لا جنون به (بَلْ) للانتقال (جاءَهُمْ بِالْحَقِ) أي القرآن المشتمل على التوحيد وشرائع الإسلام. (وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ) لأنه يخالف شهواتهم وأهواءهم ، فلذلك أنكروه ، وإنما قيد الحكم بالأكثر ؛ لوجود أناس منهم تركوا الإيمان خشية توبيخ قومه ، لا لكراهته للحق.
(وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ) أي لو اتبع القرآن ما يستهوون ، بأن كان في الواقع آلهة شتى ، أو ما يهوونه من الشريك والولد لله (لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَ) أي خرجت عن نظامها المشاهد (بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ) القرآن الذي فيه ذكرهم وشرفهم وفخرهم ووعظهم.
(خَرْجاً) أجرا أو جعلا على أداء الرسالة (فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ) أي أجره وثوابه ورزقه خير وأبقى (وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) أفضل من أعطى وآجر.
(صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) طريق قويم لا عوج فيه وهو دين الإسلام (لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) بالبعث والثواب والعقاب (عَنِ الصِّراطِ) الطريق (لَناكِبُونَ) عادلون عن طريق الرشاد ، فإن خوف الآخرة أقوى البواعث على طلب الحق وسلوك طريقه.
(ضُرٍّ) جوع أصابهم بمكة سبع سنين (لَلَجُّوا) تمادوا (فِي طُغْيانِهِمْ) ضلالتهم