(حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ) أي حتى إذا أوقعنا مترفيهم (وهم المتنعمون البطرون في الدنيا) في العذاب الشديد والبأس والنقمة بهم ، صرخوا واستغاثوا ، كما قال تعالى : (وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ ، وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً ، إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً وَجَحِيماً) [المزمل ٧٣ / ١١ ـ ١٢] وقال سبحانه : (كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ ، فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) [ص ٣٨ / ٣].
(لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ ، إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ) أي لا فائدة ولا جدوى من الصراخ ، فلا يدفع عنكم ما يراد إنزاله بكم ، وقد لزم الأمر ووجب العذاب ، ولن تجدوا ناصرا ينصركم ، ويحول بينكم وبين العقاب الأليم.
وأسباب حجب نصر الله لهم وإيقاع هذا الجزاء ثلاثة هي :
١ ـ (قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ ، فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ) أي إنه متى تليت عليكم آيات القرآن نفرتم منها وأعرضتم عن سماعها وعمن يتلوها ، كما يذهب الناكص (الراجع) على عقبيه ، بالرجوع إلى ورائه. والمراد : أنهم يعرضون عن الحق ، فإذا دعوا أبوا ، وإن طلبوا امتنعوا.
٢ ـ (مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ) أي إنهم حال نكوصهم عن الحق وإبائهم إياه يكونون مستكبرين استكبارا عليه (أي على الحق) واحتقارا له ولأهله.
وضمير (بِهِ) عائد إلى البيت العتيق أو الحرم ، فإنهم كانوا يفتخرون به ويعتقدون أنهم أولياؤه ، وليسوا به ، أو أنه عائد إلى القرآن أو إلى محمد صلىاللهعليهوسلم ، فإنهم كانوا يصفون القرآن بأنه سحر أو شعر أو كهانة ، ويقولون عن النبي صلىاللهعليهوسلم : إنه ساحر أو شاعر أو كاهن أو كذاب أو مجنون ، وكل ذلك باطل ، فالقرآن حق ، ومحمد نبي الحق ، وليس الاستكبار من الحق.
٣ ـ (سامِراً تَهْجُرُونَ) أي سمّارا حول البيت ، تتركون القرآن ، أو تأتون