بالهذيان ، فتسمرون بذكر القرآن وبالطعن فيه. وعلى هذا تتعلق كلمة (بِهِ) ب : (سامِراً).
وبعد أن وصف حالهم ، أبان أن إقدامهم على هذه الأمور ، لا بد من أن يكون لأحد أسباب أربعة هي :
١ ـ (أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ) أي أفلا يتفهم المشركون هذا القرآن العظيم؟ مع أنهم خصوا به ، وهو معروف لهم بيانا وفصاحة وبلاغة ومضمونا ساميا ، ولم ينزل على رسول أكمل ولا أشرف منه ، فكان اللائق بهؤلاء أن يقابلوا نعمة الله عليهم بقبولها ، والقيام بشكرها وتفهمها ، والعمل بمقتضاها.
٢ ـ (أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ) أي أم اعتقدوا أن مجيء الرسل أمر على خلاف العادة ، مع أنهم عرفوا بالتواتر أن الرسل تتالت على الأمم ، مؤيدة بالمعجزات ، أفلا يدعوهم ذلك إلى تصديق هذا الرسول؟
٣ ـ (أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ ، فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) أي ربما لم يكونوا عارفين رسولهم بخصاله العالية قبل النبوة؟ مع أنهم عرفوا أنه الصادق الأمين ، وأنه يفر من الكذب والأخلاق الذميمة ، فكيف كذبوه بعد أن اتفقوا على تسميته بالأمين؟
لهذا قال جعفر بن أبي طالب رضياللهعنه للنجاشي ملك الحبشة : أيها الملك ، إن الله بعث فينا رسولا ، نعرف نسبه وصدقه وأمانته. وقال المغيرة بن شعبة لنائب كسرى حين بارزهم مثل ذلك. وكذلك قال أبو سفيان صخر بن حرب لملك الروم هرقل ، حين سأله وأصحابه عن صفات النبي صلىاللهعليهوسلم ونسبه وصدقه وأمانته ، وكانوا بعد كفارا لم يسلموا ، فاعترفوا باتصافه بالصدق.
٤ ـ (أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ) أي بل إنهم يقولون عن الرسول : إن به جنونا لا يدري ما يقول ، مع أنهم يعلمون أنه أرجح الناس عقلا ورأيا.