(فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ) أي فاجعل هارون نبيا مثلي ، أو أرسل جبريل عليهالسلام له بالوحي ليكون معي نبيا ورسولا ، يؤازرني ويعاضدني ، فتتحقق أعباء الرسالة على الوجه الأكمل. وسبب آخر هو :
(وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ) أي ولهم آل القبط علي تبعة جرم بقتل قبطي خطأ قبل الرسالة أدى إلى خروجي من مصر ، فأخاف إن كنت وحدي أن يقتلوني بسبب ذلك ، وحينئذ لا يحصل المقصود من البعثة ، وأما هارون فليس متهما بشيء ، فيتحقق المقصود من البعثة. وهذا إيماء إلى أن الخوف قد يطرأ على الأنبياء كما يطرأ على غيرهم من البشر ، وقد وقع مثل هذا لنبينا ، حتى طمأنه الله بقوله : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) [المائدة ٥ / ٦٧].
والخلاصة : هذه أعذار سأل الله إزاحتها عنه ، وأسباب لبعثة هارون معه إلى فرعون وقومه ، بدأ بخوف التكذيب من فرعون وملئه ، ثم ثنّى بضيق الصدر تأثرا وتألما ، ثم ثلّث بعدم انطلاق اللسان ، وأما هارون فهو أفصح لسانا ، وأهدأ بالا ، ثم ربّع بوجود تبعة الذنب وهو جرم القتل خطأ قبل النبوة ، فخاف أن يبادروا إلى قتله ، فيفوت أداء الرسالة ونشرها. ويجمع مطالبه أمران : طلب دفع السوء أو الشر أو التقصير عنه ، وإرسال هارون معه.
فأجابه الله إليها فقال :
(قالَ : كَلَّا ، فَاذْهَبا بِآياتِنا ، إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ) أي قال الله له : ارتدع يا موسى عما تظن ، ولا تخف من شيء ، فإنهم لا يقدرون على قتلك ، وأجابه إلى المطلب الثاني بقوله : (فَاذْهَبا) أي اذهب أنت وأخوك الذي طلبته وهو هارون إلى فرعون وملئه بآياتنا ومعجزاتنا الدالة على صدقكما ، وأنا ناصركما ومعينكما ، كما قال تعالى : (لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى) [طه ٢٠ / ٤٦] أي إنني معكما بحفظي وكلاءتي ونصري وتأييدي ، وقوله : (إِنَّا) يريد