الثاني :
(وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ) أي وقتلت أيضا رجلا منا ، وهو ذلك القبطي الذي وكزته فقضيت عليه ، وهو من أتباعي ، فإنه كان خباز فرعون ، وكنت من جاحدي النعمة ، وهذا لا يليق في أخلاق الرجال من الوفاء وردّ الجميل.
فأجاب موسى عن قضية القتل ، وترك أمر التربية المعلومة الظاهرة والتي لم ينكرها موسى ، لأن الرسول مطالب بتبليغ الرسالة سواء كان المرسل عليه أنعم عليه أم لا ، والإعراض عن مثل هذا الكلام أولى ، إذ لا مكابرة فيه.
(قالَ : فَعَلْتُها إِذاً ، وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ) أي قال موسى لفرعون : فعلت تلك الفعلة السيئة وهي قتل القبطي في تلك الحال ، وأنا من المخطئين لا المتعمدين قبل أن يوحى إلى وينعم الله علي بالرسالة والنبوة كمن يقتل خطأ من غير تعمد للقتل ، أو : وأنا من الجاهلين بأن ضربتي تؤدي إلى القتل ، فإني تعمدت الوكز دفاعا وتأديبا ، فأدى ذلك إلى القتل ، وهو ما يسمى في القوانين الحديثة بالضرب المفضي إلى الموت. أي إن القتل الذي تعاتبني عليه لم يكن مقصودا مني.
(فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ ، فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً ، وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ) أي فولّيت هاربا إلى مدين خوفا من بأسكم ، حين أخبرني رجل ، فقال لي : (إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ) [القصص ٢٨ / ٢٠] وجاء أمر آخر وهو أن الله منحني فهما وعلما وحكمة (١) ، وأرسلني إليك ، فإن أطعته سلمت ، وإن خالفته هلكت.
__________________
(١) قال الرازي : الأقرب أن الحكم غير النبوة ، والنبوة مفهومة من قوله : وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ فالمراد بالحكم : العلم ، ويدخل في العلم : العقل والرأي والعلم بالدين الذي هو التوحيد.