ثم أجاب موسى عن فضل التربية لفرد والإساءة إلى جماعة وهم بنو إسرائيل فقال : (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ) أي وما أحسنت إلي وربيتني إلا وقد أسأت إلى بني إسرائيل قومي ، فجعلتهم عبيدا وخدما ، يقومون في أعمالك وأعمال رعيتك الشاقة ، فهل الإحسان إلى رجل واحد منهم له قيمة بالنظر إلى الإساءة إلى مجموعهم؟ فليس ما ذكرته شيئا بالنسبة إلى ما فعلت بهم.
فقوله : (عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ) معناه اتخذتهم عبيدا لك مستذلّين. وإنما جمع الضمير في (مِنْكُمْ) و (خِفْتُكُمْ) مع إفراده في (تَمُنُّها) و (عَبَّدْتَ) لأن الخوف والفرار لم يكونا منه وحده ، ولكن منه ومن ملئه المؤتمرين بقتله ، بدليل قوله تعالى المتقدم : (إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ) وأما الامتنان فمنه وحده وكذلك التعبيد (١)
فقه الحياة أو الأحكام :
هذا هو الفصل الأول من قصة موسى وهارون مع فرعون وملئه ، ويستفاد منه ما يأتي :
١ ـ كان إرسال موسى وأخيه هارون إلى فرعون الطاغية الجبار الذي ادعى الألوهية ، ومعه قومه الظالمون بالشرك واستعباد الضعفاء إعذارا وإنذارا ، حتى لا يبقى لهم ولأمثالهم حجة يتذرعون بها للجهل بحقيقة الإيمان والدين.
٢ ـ في قوله : (أَلا يَتَّقُونَ) حثّ شديد على التقوى لمن تدبر وتأمل ووعى المستقبل المنتظر.
٣ ـ قدّر موسى خطورة المهمة وأداء الرسالة التي كلف بها إلى فرعون فسأل ربّه أمرين : أن يدفع عنه شرهم ، وأن يرسل معه هارون نبيا ، فأجابه الله تعالى
__________________
(١) الكشاف : ٢ / ٤٢٢.