إلى الأمرين ، فهدّأ خوفه وروعه ، وأمره بالثقة بالله تعالى ، وأيّده بنصره وعونه ، وجعل أخاه رسولا مثله ، ليؤازره ويعاونه ، كما قال تعالى : (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي ، هارُونَ أَخِي ، اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) [طه ٢٠ / ٢٩ ـ ٣٢] ، وقال سبحانه : (فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي) [القصص ٢٨ / ٣٤].
قال القرطبي : وكأن موسى أذن له في هذا السؤال ، ولم يكن ذلك استعفاء من الرسالة ، بل طلب من يعينه. ففي هذا دليل على أن من لا يستقل بأمر ، ويخاف من نفسه تقصيرا ، أن يأخذ من يستعين به عليه ، ولا يلحقه في ذلك لوم (١).
٤ ـ لا بدّ من اتخاذ الأسباب لكل مهمة خطيرة أو غير خطيرة ، فذلك مأمور به شرعا ، كما أن الحذر مطلوب ، وتقدير المخاطر مما يوجبه الشرع والعقل.
٥ ـ لم يتردد موسى وأخوه هارون بعد هذا التأييد الإلهي من الذهاب إلى فرعون الظالم ، وأعلنا له أنهما رسولان إليه من ربّ العالمين ، وهذا واجب التبليغ الذي لا بدّ فيه من الجرأة والشجاعة والصبر ، حتى إنه ذكر أن فرعون لم يأذن لهما سنة في الدخول عليه ، ثم أذن استهزاء ، فدخلا عليه وأدّيا الرسالة.
٦ ـ كان مطلب موسى وهارون بعد إعلان الرسالة والدعوة إلى التوحيد ونبذ الشرك مطلبا عدلا ، وهو إخلاء سبيل بني إسرائيل حتى يسيروا مع هذين الرسولين إلى فلسطين ، وإنهاء عهد الاستعباد ، فإن فرعون استعبدهم أربع مائة سنة ، وكانوا في ذلك الوقت ست مائة وثلاثين ألفا.
٧ ـ إن حادثة قتل القبطي من قبل موسى عليهالسلام كانت قبل النبوة في
__________________
(١) تفسير القرطبي : ١٣ / ٩٢.