ما يلقونه طعمة لعصاه ، بعد أن عرضوا عليه أن يبدأ أولا بالإلقاء ، فألقوا ما معهم من الحبال المطلية بالزئبق ، والعصي المحشوة به ، وقالوا : بعزة فرعون أي بقوته وجبروته إنا لنحن المتغلبون عليه.
فلما حميت الشمس ، تحركت العصي والحبال ، وامتلأت الساحة بالحيات والثعابين ، وخيل إلى موسى أنها تسعى ، وسحروا أعين الناس ، واسترهبوهم وجاؤوا بسحر عظيم ، كما قال تعالى : (فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى ، فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى ، قُلْنا : لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى) [طه ٢٠ / ٦٦ ـ ٦٨] وقال سبحانه : (فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ ، وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ.) [الأعراف ٧ / ١١٦]. وحينئذ ابتهج فرعون وقومه ، واعتقدوا أن السحرة غلبوا ، وأن عصا موسى لن تفعل شيئا أمام آلاف الحيات.
فأمره الله أن يلقي عصاه :
(فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ ، فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ) أي فلما ألقى موسى عصاه ، فإذا هي تبتلع من كل بقعة ما قلبوا صورته وزيفوا حاله بتمويههم وتخييلهم أنها حيات تسعى ، فلم تدع منه شيئا ، كما قال تعالى : (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ ، فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ. فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) [الأعراف ٧ / ١١٧ ـ ١١٨].
(فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ) أي فخرّ السحرة ساجدين بلا شعور ؛ لأنهم أدركوا أن ما فعله موسى فوق قدرة البشر ، وأنه من فعل إليه الكون رب موسى وهارون ، فلم يتمالكوا أنفسهم إلا ووجدوها ساجدة لهذا الإله ، أما هم فقد بذلوا أقصى ما لديهم من علم وطاقة ، وما هو منتهى فعل السحرة من تخييل وتمويه.