محمد صلىاللهعليهوسلم ، واستعان على جمعه بقوم آخرين من أهل الكتاب الذين أسلموا فيما بعد ، كما ذكر في سبب النزول.
فأجابهم تعالى عن هذه الشبهة بقوله :
(فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً) أي فقد افتروا هم قولا باطلا ، وهم يعلمون أنه باطل ، ويعرفون كذب أنفسهم فيما زعموه ، فكان قولهم كفرا وظلما بيّنا في غير موضعه ، وكذبا مفترى على ربهم ، إذ جعلوا الكلام المعجز وهو هذا القرآن إفكا مفترى من قبل البشر. وهذه غاية حجة الضعيف ، فإنه إذا لم يجد جوابا مقنعا ، بادر إلى الإنكار الذي لا دليل عليه ، والتكذيب الذي لا مستند له ، فلو صح ما قالوا فلم لم يأتوا بمثله ، واستعانوا كما استعان محمد صلىاللهعليهوسلم بغيره على وفق زعمهم ، فإعجاز القرآن دليل كاف وحده للرد عليهم وإبطال مفترياتهم ، وهم أهل الفصاحة والبيان.
الشبهة الثانية :
(وَقالُوا : أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها ، فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) أي وقال الكفار المشركون أيضا : إن هذا القرآن أساطير الأولين أي أكاذيب المتقدمين ، وأحاديث السابقين الذين سطروها في كتبهم كأحاديث رستم واسفنديار ، انتسخها محمد صلىاللهعليهوسلم بوساطة أهل الكتاب يعني عامرا ويسارا ، وجبرا أو أبا فكيهة مولى ابن الحضرمي ، فهي تقرأ عليه صباح مساء ، أي دائما ، وخفية ليحفظها ، إذ هو أمي لا يقرأ ولا يكتب. وهذا محض افتراء آخر ، وتضليل وبعد عن الحق ومكابرة ، فقد عرفوا صدق محمد صلىاللهعليهوسلم ، وأمانته وسلوكه ، وبعده عن الكذب ، مدة أربعين عاما قبل البعثة ، حتى لقّبوه بالأمين ، لما يعلمون من صدقه واستقامته ، وكان أميا لا يعرف شيئا من الكتابة ، لا في أول عمره ولا في آخره ، فلما أكرمه الله بالرسالة عادوه واتهموه بما هو بريء منه ، ووصفوا القرآن