إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها ، إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [هود ١١ / ٥٤ ـ ٥٦].
ثم أكد إبراهيم أنه لا يعبد إلا المتصف بهذه الأوصاف الخمسة وهي :
١ ـ (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ) أي هو الخالق المبدع الموجد الذي خلقني وغيري من المخلوقات ، وهو الذي يهديني دائما لما فيه الخير في الدنيا والآخرة ، كما قال : (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى ، وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى) [الأعلى ٨٧ / ٢ ـ ٣] أي الخالق الذي قدر قدرا ، وسوى المخلوق في أحسن تقويم ، وهدى الخلائق إليه ، فكلّ يجري على ما قدر له ، فبالخلق والهداية يحصل جميع المنافع لكل منتفع.
٢ ـ (وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ) أي هو خالقي ورازقي بما يسّر من الأسباب السماوية والأرضية ، فأنزل الماء ، وأحيى به الأرض ، وأخرج به من الثمرات المختلفة رزقا للعباد ، وأوجد الأنعام وغيرها ، فوفر للإنسان الطعام والشراب وغيرهما من كل ما يتصل بالرزق.
٣ ـ (وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) أي وإذا طرأ علي مرض ، فهو تعالى الذي ينعم علي بالشفاء منه. ويلاحظ أنه نسب المرض إلى نفسه ولم يقل : أمرضني ، تأدبا مع الله ، وإن كان المرض والشفاء من الله عزوجل جميعا ؛ وكلاهما يحدث بقدر الله وقضائه ، كما قال تعالى آمرا المصلي أن يقول : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) [الفاتحة ١ / ٦] ثم قال : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ..) [الفاتحة ١ / ٧] أسند الإنعام والهداية إلى الله تعالى ، وحذف فاعل الغضب أدبا وأسند الضلال إلى البشر ، وكما قال فتى موسى : (وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ) [الكهف ١٨ / ٦٣] ، وكما قالت الجن : (وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً) [الجن ٧٢ / ١٠]. وهنا أضاف إبراهيم المرض إليه ، أي إذا وقعت في مرض ، فإنه لا يقدر على شفائي أحد غير الله بما يقدر من الأسباب الموصلة إليه.