فقه الحياة أو الأحكام :
تضمنت الآيات حكاية شبهتين للمشركين وجوابين عنهما ، أما الشبهتان فهما : أن القرآن كذب مختلق اختلقه محمد صلىاللهعليهوسلم وأعانه عليه قوم من اليهود وأن القرآن أساطير أي أكاذيب وحكايات المتقدمين ، فهي تلقى على محمد ، وتقرأ في أول النهار وآخره ، أي دائما ، حتى تحفظ.
والرد على الشبهة الأولى : أنهم هم الذين افتروا هذا القول الباطل وهم يعلمون بطلانه ، لا أن القرآن مفترى. والرد على الشبهة الثانية أن منزل القرآن هو الله الذي يعلم السر والغيب والجهر ، فلا يحتاج إلى معلّم ، ولو كان القرآن مأخوذا من أهل الكتاب وغيرهم لما زاد عليها ، وقد جاء بفنون تخرج عنها ، فليس مأخوذا منها ، وأيضا لو كان مأخوذا من هؤلاء ، لتمكّن المشركون منه أيضا ، كما تمكن محمد صلىاللهعليهوسلم ، فهلا عارضوه؟ فبطل اعتراضهم من كل وجه.
وبيان هذا الجواب : إن الله تحداهم بالمعارضة ، وظهر عجزهم عنها ولو كان صلىاللهعليهوسلم أتى بالقرآن مستعينا بأحد ، لسهل عليهم الاستعانة بآخرين ، فيأتون بمثل هذا القرآن ، فلما عجزوا عنه ، ثبت أنه وحي الله وكلامه ، لهذا قال : (قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ) أي أن تلك الفصاحة القرآنية لا تتأتى إلا من العالم بكل المعلومات ، وأن القرآن مشتمل على الإخبار عن المغيبات ، وذلك لا يتأتى إلا من كامل العلم ، وأن القرآن مبرأ عن النقص والتعارض ، وذلك لا يتأتى إلا من العالم بكل المعلومات ، كما قال سبحانه : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) [النساء ٤ / ٨٢] والقرآن مشتمل على أحكام منسجمة مع مصالح العالم ونظام الناس ، وهو لا يكون إلا من العالم الواسع العلم ، وكذلك القرآن مشتمل على أنواع العلوم ، وهو لا يتأتى إلا من العليم الخبير.