شرف وعزة ، يستغني بها الإنسان عن الآخرين ، فلا يفهمن أحد خطأ أن الدين ينتقص من قدر هؤلاء ، وإنما الذي انتقصهم هم الأغنياء المترفون.
ويؤكد ذلك جواب نوح عليهالسلام لهم وهو : (قالَ : وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي إنني لم أكلف العلم بأعمالهم ، إنما كلفت أن أدعوهم إلى الإيمان ، والاعتبار بالإيمان ، لا بالحرف والصنائع ، وليس للحرفة أو الصنعة تأثير في ميزان الدين ، وكذلك النظر في الدعوة إلى الله إلى الظاهر ، لا إلى الباطن.
ثم أجابهم بجواب آخر : (إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ) أي لو شعرتم أن حسابهم على ربهم ، لما عبتموهم بصنائعهم.
وجواب ثالث : (وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ) أي لخساسة أحوالهم وأشغالهم كما تتصورون ، وكأنهم طلبوا منه طرد الضعفاء ، كما طلبته قريش. (إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ) أي إن الله ما أرسلني أخص ذوي الغنى دون الفقراء ، إنما أنا رسول للناس جميعا ، أبلغكم ما أرسلت به ، فمن أطاعني فذلك السعيد عند الله ، وإن كان فقيرا.
ولما تغلب نوح عليهالسلام على قومه بالحجة العقلية والمنطق الصريح ، لجؤوا إلى التهديد شأن كل العتاة ، فقالوا : (قالُوا : لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ) أي لئن لم تنته عن سب آلهتنا وعيب ديننا لنقتلنك بالحجارة ، أو لنسبنك ونشتمنك. قال الثّماليّ : كل «مرجومين» في القرآن فهو القتل إلا في مريم : (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ) [١٩ / ٤٦].
وبعد أن يئس من إيمانهم ، دعا عليهم بالعذاب ، طالبا حكم الله العدل فيهم ، فأنجاه ومن معه من المؤمنين في السفينة المملوءة بالناس والدواب وغير ذلك ، ثم أغرقهم الله أجمعين.
إن في ذلك لآية وأي آية ، وعبرة وعظة ، وكان أكثرهم كافرين ، والله هو القادر المنتقم من كل مكذّب بالله ورسله ، رحيم بمن آمن وأطاع.