(أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا؟ بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ ، سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ) [القمر ٥٤ / ٢٥ ـ ٢٦]. وهذا بمنزلة ما كانوا يذكرون في الأنبياء أنهم لو كانوا صادقين ، لكانوا من جنس الملائكة.
ثم اقترحوا عليه آية يأتيهم بها ليعلموا صدقه بما جاءهم به من ربهم ، وهو أن يخرج لهم الآن من هذه الصخرة ناقة عشراء (حامل لعشرة أشهر) صفتها كذا وكذا ، فما كان منه إلا أن أخذ عليهم نبي الله صالح العهود والمواثيق : لئن أجابهم إلى ما سألوا ليؤمنن به وليتبعنه ، فأعطوه ذلك ، فقام نبي الله صالح عليهالسلام ، فصلى ، ثم دعا الله عزوجل أن يجيبهم إلى سؤالهم ، فانفطرت تلك الصخرة التي أشاروا إليها عن ناقة عشراء ، على الصفة التي وصفوها ، فآمن بعضهم ، وكفر أكثرهم. (١)
(قالَ : هذِهِ ناقَةٌ ، لَها شِرْبٌ ، وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) أي إن النبي صالح عليهالسلام قال مجيبا طلبهم إرسال آية تكون دليلا على صدقه : الدليل هو ناقة الله هذه ، فهي الآية والمعجزة الدالة على صدقي ، ترد ماءكم يوما ، ويوما تردونه أنتم.
(وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ) أي وإياكم أن تصيبوها بأذى من ضرب أو قتل أو غير ذلك ، فيصيبكم عذاب شديد. وقد عظم اليوم لحلول العذاب فيه ، ووصف اليوم بالعظم أبلغ من وصف العذاب ؛ لأن الوقت إذا عظم بسبب العذاب ، كان موقعه من العظم أشد.
(فَعَقَرُوها ، فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ ، فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ) أي ذبحوا الناقة ، ثم ندموا على فعلهم عند معاينة العذاب ، أي حين علموا أن العذاب نازل بهم ، فنالهم
__________________
(١) تفسير ابن كثير : ٣ / ٣٤٤ ، تفسير القرطبي : ١٣ / ١٣٠ ، وهذا مرويّ عن ابن عباس ، وربما كان الأمر محتاجا إلى رواية موثقة ثابتة السند ليجب علينا الاعتقاد بذلك.