والامتناع عن أخذ الأجر على تبليغ الرسالة.
واتفق هؤلاء الرسل على الترفع عن مقابلة إساءة أقوامهم لهم واتهاماتهم الباطلة ، والصبر على الدعوة ، وتفويض الأمر الحازم الحاسم بإنزال العذاب وغيره إلى الله عزوجل ، ليبقوا في مرتبة البشرية التي ظنها الكفرة نقصا ، وهي في الحقيقة عنوان العبودية لله عزوجل.
وأما صفة عذاب قوم شعيب وإهلاكهم ، فإن الله أبانها في ثلاثة مواطن ، كل موطن بصفة تناسب ذلك السياق ، ففي الأعراف ذكر أنهم أخذتهم الرجفة ، فأصبحوا في دارهم جاثمين ؛ لأنهم قالوا : (لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا ، أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) [٨٨] فأرجفوا نبي الله ومن اتبعه ، فأخذتهم الرجفة.
وفي سورة هود قال : (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ) [٦٧] ولأنهم استهزءوا بنبي الله في قولهم : (أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا ، أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا ، إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) [٨٧] قالوا ذلك على سبيل التهكم والازدراء ، فناسب أن تأتيهم صيحة تسكتهم ، فقال : (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ) الآية.
وهاهنا قالوا : (فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ) الآية على وجه التعنت والعناد ، فناسب أن يحقق عليهم ما استبعدوا وقوعه : (فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ ، إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) قال عبد الله بن عمر رضياللهعنه : إن الله سلّط عليهم الحر سبعة أيام ، حتى ما يظلهم منه شيء ، ثم إن الله تعالى أنشأ لهم سحابة ، فانطلق إليها أحدهم ، فاستظل بها ، فأصاب تحتها بردا وراحة ، فأعلم بذلك قومه ، فأتوها جميعا ، فاستظلوا تحتها ، فأججت عليهم نارا (١).
__________________
(١) تفسير ابن كثير : ٣ / ٣٤٦.