ولا يعجز ، ولا يلين ولا يقف عن السير في دعوته ، فيستمر ثابت الخطا ، ماضي العزم ، رافع الرأس معتزا بما يقوم به.
والخلاصة : أن السبب في تشابه بداية هذه القصص وآخرها : هو التأكيد وتقرير المعاني في النفوس وتثبيتها في الصدور.
وفهم من هذه القصص أن الله هو الذي أنزل العذاب على المكذبين لرسله ، وأنه إنما أنزله عليهم جزاء وفاقا على كفرهم ، لا ظلما ولا تشفيا ولا ثارا ، وإنما لإرساء معالم الحق ، وتوطيد صرح العدل بين الخلائق.
ويلاحظ أن جميع الأنبياء متفقون على أصول الرسالات من الدعوة إلى توحيد الله ، واحترام الفضائل ومحاربة الرذائل ، ثم يقوم كل واحد منهم بمعالجة الظواهر المرضية ، والأوضاع الشاذة عند قومه ، فهذا هود عليهالسلام ينكر على قومه العبث بالبناء ، والطمع في الدنيا كأنهم مخلدون ، والبطش بطش الجبارين وغير ذلك من النزعات المعنوية المغالية ؛ وهذا صالح عليهالسلام ينكر على قومه إقامة البيوت في الجبال بطرين أشرين مستكبرين ، حريصين على الملذات الحسية المادية ؛ وهذا لوط عليهالسلام يستنكر الفاحشة الشنيعة وهي إتيان الذكور في أدبارهم ، وترك إتيان النساء الأزواج في أقبالهن ؛ وهذا شعيب ينكر على قومه الظلم الاجتماعي بسرقة أموال الناس وإهدار حقوقهم بتطفيف الكيل والميزان ، فيأمرهم بإيفاء الكيل والوزن كاملا غير زائد ولا ناقص ، وبألا يبخسوا الناس أشياءهم ، وألا يعثوا في الأرض فسادا ، وأن يتقوا الله الذي خلقهم وخلق آباءهم العظام الأولين. ومن أنعم بهذه النعم كان هو المستحق للعبادة ، لكنهم قوم ظالمون كافرون بالقيم والأخلاق الاجتماعية ، مستصغرون وعيد الرسل ، مستخفون بنصحهم ووعظهم.
وإنما كان جواب هؤلاء الرسل واحدا على صيغة واحدة : (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) لأنهم متفقون على الأمر بالتقوى ، والطاعة والإخلاص في العبادة ،