العذاب ، بقولهم : (فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ) [الشعراء ٢٦ / ١٨٧] ، وقولهم : (فَأْتِنا بِما تَعِدُنا) [الأعراف ٧ / ٧٠] ، وهم عند نزول العذاب يطلبون التأجيل والتأخير ، فهم قوم متناقضون.
وهذا إنكار عليهم وتهديد لهم ، فإنهم كانوا يقولون للرسول صلىاللهعليهوسلم تكذيبا واستبعادا : (ائْتِنا بِعَذابِ اللهِ) [العنكبوت ٢٩ / ٢٩].
ثم بيّن الله تعالى أن استعجال العذاب على وجه التكذيب إنما يحدث منهم ليتمتعوا في الدنيا ، فقال :
(أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ ، ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ ، ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ) أي لو فرض أيها المخاطب أننا لو أطلنا في عيشهم ليتمتعوا من نعيم الدنيا طوال سنين ، ثم جاءهم العذاب الموعود به فجأة ، فلا يجدي أي شيء عنهم ولا ما كانوا فيه من النعيم ، ولا يخفف من عذابهم ، ولا يدفعه عنهم ؛ لأن مدة التمتع في الدنيا مهما طالت متناهية قليلة ، ومدة العذاب في الآخرة غير متناهية ، كما قال تعالى : (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها) [النازعات ٧٩ / ٤٦] ، وقال سبحانه : (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ ، وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ) [البقرة ٢ / ٩٦] ، وقال عزوجل : (وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى) [الليل ٩٢ / ١١].
عن ميمون بن مهران أنه لقي الحسن البصري في الطواف بالكعبة ، فقال له : عظني ، فلم يزد على تلاوة هذه الآية ، فقال ميمون : لقد وعظت فأبلغت (١).
وفي الحديث الصحيح : «يؤتى بالكافر فيغمس في النار غمسة ، ثم يقال له : هل رأيت خيرا قط؟ هل رأيت نعيما قط؟ فيقول : لا والله يا ربّ ، ويؤتى
__________________
(١) تفسير الرازي : ٢٤ / ١٧١.