بأشد الناس بؤسا كان في الدنيا ، فيصبغ في الجنة صبغة ، ثم يقال له : هل رأيت بؤسا قط ، فيقول : لا والله يا ربّ» أي كأن شيئا لم يكن.
ثم أخبر الله تعالى عن قانون عدله التام الدائم في خلقه ، وهو أنه لا يعذب قوما إلا بعد إنذار ، ولا يهلك أمة إلا بعد إعذار وبيان الحجة ، وبعثة الرسل ، فقال :
(وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ ، ذِكْرى وَما كُنَّا ظالِمِينَ) أي وما أهلكنا قرية من القرى إلا بعد إرسالنا إليهم رسلا ينذرونهم من عذابنا على كفرهم ، ويبشرونهم بالنعيم إن آمنوا وأطاعوا ، وذلك تذكرة لهم وتنبيه إلى ما يجب عليهم ، ولم نكن في أي حال ظالمين لهم في عقابهم ، وإنما أصروا على الكفر والجحود وعبادة غيرنا.
وهذا المبدأ شهير مكرر في القرآن ، مثل قوله تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) [الإسراء ١٧ / ١٥] ، وقوله سبحانه : (وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا ، وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ) [القصص ٢٨ / ٥٩].
ثم ردّ الله تعالى على المشركين الذين كانوا يقولون : إن محمدا كاهن ، وإن ما أنزل عليه من القرآن مثلما تلقي الشياطين على الكهنة ، فقال :
(وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ ، وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ ، إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ) أي إن القرآن العظيم لم تلق به الجن والشياطين كسائر ما ينزل على الكهنة ، ولا يتيسر لهم ولا يسهل ولا يتمكنون من ذلك ، فهم عن سمع الملائكة التي تنزل بالوحي مرجومون بالشهب ، معزولون عن استماع كلام أهل السماء.
فهذا الإنزال يمتنع عليهم من ثلاثة أوجه (١) :
__________________
(١) تفسير ابن كثير : ٣ / ٣٤٩.