لهم ، وإنكار عليهم ، وفضح لأحوالهم ؛ لأن القرآن نزل بلغتهم فهم أولى الناس بالإيمان به.
وقد عبّر القرآن الكريم عن هذا الموقف المتعنت بقوله تعالى : (كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ) أي إن الذي منعهم من الإيمان ، وإعلان الكفر بالقرآن والتكذيب به هو الإصرار على ما هم عليه والحفاظ على رياساتهم ومصالحهم المادية ، حتى أصبح ذلك مدخلا سالكا في قلوبهم ، خلقا غير قابل للتغيير والتبديل ، بمنزلة أمر جبلوا عليه وفطروا ، كما يقال : فلان مجبول على الشّح ، والمراد تمكن الشّح فيه.
ولا يتصور إيمانهم بالقرآن والنبي صلىاللهعليهوسلم إلا حين مشاهدة العذاب المؤلم ومعاينته ، ومجيئه فجأة دون أن يشعروا به ، وهو إما عذاب الدنيا ، وإما عذاب الساعة (القيامة) وحينئذ يقولون : هل نحن مؤخرون وممهلون ، إنهم يطلبون الرجعة إلى الدنيا فلا يجابون إليها.
ومعنى التعقيب في قوله تعالى : (فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً ، ... فَيَقُولُوا) كما ذكر الزمخشري : ليس ترادف رؤية العذاب ومفاجأته وسؤال التأخير فيه في الوجود ، وإنما المعنى ترتبها في الشدة ، كأنه قيل : لا يؤمنون بالقرآن حتى تكون رؤيتهم للعذاب ، فما هو أشد منها وهو لحوقه بهم فجأة ، فما هو أشد منه ، وهو سؤالهم التأخير. ومثال ذلك : أن تقول لمن تعظه : إن أسأت مقتك الصالحون ، فمقتك الله ، فإنك لا تقصد بهذا الترتيب : أن مقت الله يوجد عقيب مقت الصالحين ، إنما قصدك إلى ترتيب شدة الأمر على المسيء ، وأنه يحصل له بسبب الإساءة مقت الصالحين ، فما هو أشد من مقتهم ، وهو مقت الله (١).
٥ ـ كان جزاء هذا الموقف المتعنت لكفار قريش تبكيتهم بالإنكار عليهم
__________________
(١) الكشاف : ٢ / ٤٣٧