التفسير والبيان :
(طس) حروف مقطعة في أوائل السور ، للتنبيه على إعجاز القرآن ، كما بينا.
(تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ) أي هذه الآيات المنزلة عليك أيها النبي في هذه السورة هي آيات القرآن المجموع في النهاية ، وآيات الكتاب المسطور في السطور ، الواضح البيّن ، الذي سيبقى إلى يوم القيامة ، ويسهل العمل به لوضوحه وبيانه المشرق ، ويستفيد منه من تأمل فيه ، واستعذب حلاوة كلام الله ، وفكّر في عظمته وفضل الله تعالى في إنزاله وبيانه ، فهو ليس من كلام البشر ، بل ولا يستطيع أحد الإتيان بمثله أو بمثل سورة منه.
وعطف الكتاب على القرآن من عطف إحدى الصفتين على الأخرى ، كما بينا في المفردات ، كما تقول : هذا فعل السخي والجواد والكريم. ويلاحظ أن هاتين الصفتين مرة يذكران بالتعريف ، ومرة بالتنكير ، والمعنى واحد ، وأن القرآن له صفتان : قرآن وكتاب ؛ لأنه يظهر بالقراءة والكتابة.
(هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) أي إن القرآن هاد للناس من الضلالة ، ومبشر المؤمنين الطائعين بالجنة وبرحمة الله تعالى.
ومعنى كون القرآن هدى للمؤمنين : أنه يزيدهم هدى على هداهم ، كما قال تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً ، وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) [التوبة ٩ / ١٢٤] وأنه يهديهم إلى الجنة ، كما قال تعالى : (فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ ، وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً) [النساء ٤ / ١٧٥].
والتخصيص بالمؤمنين للدلالة على أن الهداية والبشارة إنما يحصلان لمن آمن به ، واتبعه وصدقه ، وعمل بما فيه. ثم ذكر تعالى مظاهر الإيمان فقال :
(الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ، وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ ، وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) أي إن المؤمنين المنتفعين بالقرآن هداية وبشارة هم الذين يؤدون الصلاة كاملة