وإما اقتباس النار ، ثقة بعادة الله أنه لا يكاد يجمع بين حرمانين على عبده ، وقد ظفر بكلتا حاجتيه وهما عز الدنيا وعز الآخرة.
(بِشِهابٍ) شعلة نار. (قَبَسٍ) قطعة من النار مقبوسة أي مأخوذة من أصلها. (تَصْطَلُونَ) تستدفئون من البرد ، وقوله (لَعَلَّكُمْ) معناه رجاء أن تستدفئوا. (نُودِيَ أَنْ بُورِكَ) أي نودي بأن بارك الله ، فأن مصدرية أو مخففة من الثقيلة ، أو مفسرة ، لأن النداء فيه معنى القول (مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها) أي بورك من في مكان النار وهو موسى والبقعة المباركة المذكورة في قوله تعالى : (نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ) [القصص ٢٨ / ٣٠]. (وَمَنْ حَوْلَها) المكان الذي حولها ، والمعنى : بورك من في مكان النار ومن حول مكانها ، قال البيضاوي : والظاهر أنه عام في كل من في تلك البقعة وحواليها من أرض الشام الموسومة بالبركات ؛ لكونها مبعث الأنبياء وكفاتهم أحياء وأمواتا ، وخصوصا تلك البقعة التي كلم الله فيها موسى. (وَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) من جملة ما نودي ، ومعناه : تنزيه الله من السوء. (يا مُوسى إِنَّهُ) ضمير الشأن والأمر.
(تَهْتَزُّ) تتحرك باضطراب. (كَأَنَّها جَانٌ) حية خفيفة سريعة. (وَلَّى مُدْبِراً) هرب. (وَلَمْ يُعَقِّبْ) لم يرجع على عقبه. (لا تَخَفْ) من غيري ثقة بي ، أو مطلقا ، لقوله : (إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ) لا يخاف عندي الرسل من حية وغيرها ، حين يوحى إليهم من فرط الاستغراق. (إِلَّا) لكن فهو استثناء منقطع. (مَنْ ظَلَمَ) نفسه. (ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ) أتى حسنا بعد سوء وبدل ذنبه بالتوبة ، أي تاب. (فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) أستر عليه وأغفر له وأرحمه بقبول التوبة. والمراد من الاستثناء التعريض بموسى حينما وكز القبطي.
(فِي جَيْبِكَ) طوق قميصك. (تَخْرُجْ) خلاف لونها من الأدمة أي الجلد. (مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) من غير برص ونحوه من الآفات ، لها شعاع يغشي البصر. (فِي تِسْعِ آياتٍ) أي تلك آية من تسع آيات أي معجزات دالة على صدقك ، أو في جملتها ، والتسع : هي فلق البحر ، والطوفان ، والجراد ، والقمّل ، والضفادع ، والدم ، والطمسة ، وجدب واديهم ، ونقصان مزارعهم. ومن عد العصا واليد من التسع جعل الأخيرين واحدا ، ولم يعد الفلق منها ؛ لأنه لم يبعث به إلى فرعون وقومه.
(إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) تعليل للإرسال. (مُبْصِرَةً) بينة واضحة مضيئة. (مُبِينٌ) بيّن ظاهر. (وَجَحَدُوا بِها) لم يقروا. (اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ) تيقنوا أنها من عند الله والاستيقان أبلغ من الإيقان. (ظُلْماً) لأنفسهم. (وَعُلُوًّا) ترفعا وتكبرا عن الإيمان بما جاء به موسى. (فَانْظُرْ) يا محمد. (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) وهو الإغراق في الدنيا والإحراق في الآخرة. قال الزمخشري : وأي ظلم أفحش من ظلم من اعتقد واستيقن أنها آيات بينات واضحة جاءت من عند الله ، ثم كابر بتسميتها سحرا بينا مكشوفا لا شبهة فيه.