أدركه بصره» ثم قرأ أبو عبيدة : (أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها ، وَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ).
ثم صرح الله تعالى بإظهار كلامه فقال :
(يا مُوسى ، إِنَّهُ أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) أي يا موسى ، إن الذي يخاطبك ويناجيك هو الله ربّك الذي عزّ كل شيء وقهره وغلبه ، الحكيم في أقواله وأفعاله.
ثم أراه قدرته وأيده بالمعجزات ، فقال تعالى :
المعجزة الأولى :
(وَأَلْقِ عَصاكَ ، فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ ، وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ) أي أمره الله بإلقاء عصاه من يده على الأرض ، فلما ألقاها ، انقلبت في الحال حية عظيمة هائلة ، في غاية الكبر وسرعة الحركة معا ، فلما رآها هكذا ، ولّى هاربا خوفا منها ، ولم يرجع على عقبيه ، ولم يلتفت وراءه من شدة خوفه.
فهدّأ الحق تعالى نفسه ، وأزال عنه الرعب ، فقال :
(يا مُوسى ، لا تَخَفْ ، إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ) أي لا تخف يا موسى مما ترى ، فإني أريد أن أصطفيك رسولا ، وأجعلك نبيا وجيها ، ولا يخاف عندي الرسل والأنبياء إذا أمرتهم بإظهار المعجزة.
(إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ ، فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) هذا استثناء عظيم ، وبشارة عظيمة للبشر في هذا الكلام الرباني المباشر مع موسى ، أي لكن من ظلم نفسه أو غيره أو كان على عمل سيء ، ثم أقلع عنه ورجع وتاب وأناب إلى ربه ، فإن الله يقبل توبته ؛ لأنه بدل بتوبته عملا حسنا بعد سوء ، كما قال تعالى : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) [طه ٢٠ / ٨٢] وقال