بورك من في مكان النار ، ومن حول مكانها ، أي تبارك من في النور ، والمكان : هو البقعة المباركة المذكورة في قوله تعالى : (نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ) [القصص ٢٨ / ٣٠] وما حولها : أرض الشام ذات البركات والخيرات ؛ لكونها مهبط الأنبياء ، ومبعث الرسالات.
وقيل : من في النور هو الله سبحانه ، ومن حولها : الملائكة ، والأولى ما ذكرناه.
وسبب المباركة : حدوث هذا الأمر العظيم فيها ، وهو تكليم الله موسى عليهالسلام ، وجعله رسولا ، وإظهار المعجزات على يده.
ولما كان هذا الحال قد يوهم بالتجسيم والمادية نزه الله تعالى نفسه عما لا يليق بذاته وحكمته ، فقال : (وَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) أي تنزه الله الذي يفعل ما يشاء ، ولا يشبهه شيء من مخلوقاته ، ولا يحيط به شيء من مصنوعاته ، وهو العلي العظيم المباين لجميع المخلوقات ، والأحد الفرد الصمد المنزه عن مماثلة المحدثات.
وقد عرف موسى أن ذلك النداء من الله تعالى ؛ لأن النار كانت مشتعلة في شجرة خضراء لم تحترق ، فصار ذلك كالمعجز الدال على صدور الكلام من الله سبحانه.
ومما يدل على صحة هذا التعليل المروي عن ابن عباس : ما أخرجه مسلم في صحيحة وابن ماجه في سننه ، والبيهقي عن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن الله لا ينام ، ولا ينبغي له أن ينام ، يخفض القسط ويرفعه ، حجابه النور ، لو كشفها (١) لأحرقت سبحات (أنوار) وجهه كل شيء
__________________
(١) لعل تأنيث الضمير بتأويل النور بالأنوار ، وهذه رواية ابن ماجه ، ورواية مسلم : «لو كشفه».