وبه يتبين أن الله تعالى سخر لسليمان الإنس ، فكان له عساكر كثيرون منهم ، والجن لصناعة المباني الضخمة والأواني الواسعة والقدور السابغة ، والطير ، كما سيأتي في قصة الهدهد.
(حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ : يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ ، لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ ، وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) أي حتى إذا قدم سليمان ومن معه من الجيوش والجنود على وادي النمل ، وهي ـ كما يقال ولم يثبت ـ واد بالشام أو بغيره كثير النمل ، نادت نملة هي ملكة النمل ، كما فهم سليمان : يا أيها النمل ، ادخلوا بيوتكم ، حتى لا يكسرنكم سليمان وجنوده ، دون أن يشعروا بذلك.
وقوله : (لا يَحْطِمَنَّكُمْ) كما جاء في الكشاف : يحتمل أن يكون جوابا للأمر ، أي ادخلوا لا يحطمنكم ، مثل : اجتهد لا ترسب ، وأن يكون نهيا بدلا من الأمر ، أي في معنى : لا تكونوا حيث أنتم ، فيحطمكم ، على طريقة : لا أرينك هاهنا.
(فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها ، وَقالَ : رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ ، وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ ، وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ) أي فتبسم شارعا في الضحك بعد أن فهم قولها ، تعجبا من تحذيرها ، أو سرورا بما خصه الله به من فهم غرضها ، وقال : ربّ ألهمني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي من تعليمي منطق الطير والحيوان وعلى والدي بالإسلام لك والإيمان بك ، وأن أعمل عملا تحبه وترضاه قياما بواجب الشكر على النعمة ، واجعلني إذا توفيتني في الجنة في زمرة الصالحين من الأنبياء والأولياء الصلحاء. وإنما أدرج ذكر والديه ؛ لأن النعمة على الولد نعمة على الوالدين ، خصوصا نعمة الدين ، فإن الولد إذا كان تقيا نفعهما بدعائه وشفاعته ، وبدعاء المؤمنين لهما كلما دعوا له.